أصبحت منصات التواصل الاجتماعي مرآة تعكس التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي تعصف بالعالم، فبين تغريدات غاضبة ومنشورات حزينة، يشكو ملايين الأفراد عبر مختلف القارات من صعوبة توفير الاحتياجات الأساسية للعيش الكريم، وسط موجات تضخم غير مسبوقة تلت الأزمات الصحية والجيوسياسية والاقتصادية المتلاحقة، وبينما كانت الكماليات في السابق محط طموح فردي مشروع، باتت اليوم حلماً بعيد المنال، حتى الضروريات الأساسية كالغذاء، السكن، النقل والرعاية الصحية أصبحت عبئاً ثقيلاً على الأسر ذات الدخل المحدود والمتوسط.
يشير صندوق النقد الدولي (IMF) إلى أن معدل التضخم العالمي بلغ ذروته في عام 2022 بنسبة فاقت 8.7%، وهي النسبة الأعلى منذ عقود، مدفوعةً بتداعيات جائحة كوفيد-19، ثم الحرب الروسية الأوكرانية، إضافةً إلى الاختلالات المتكررة في سلاسل التوريد، ووفقاً لتقارير منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD)، فإن ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة شكّل العامل الأكثر ضغطاً على ميزانيات الأسر، حيث سُجّل في بعض الدول الأوروبية ارتفاع في أسعار الغاز والكهرباء بأكثر من 100% خلال عام واحد.
وعلى منصات مثل تويتر، تيك توك، وفيسبوك، أصبح من السهل ملاحظة حجم الاستياء العام، حيث انتشرت هاشتاغات مثل: #CostOfLivingCrisis ، #InflationPain، #Can’tAffordFood، لتجسد مشاعر الإحباط والخوف من المستقبل. أما في المملكة المتحدة مثلاً، ظهرت حركة اجتماعية رقمية بعنوان “Don’t Pay UK”، دعا فيها المواطنون إلى مقاطعة دفع فواتير الطاقة، احتجاجاً على ارتفاعها الجنوني، وفي الولايات المتحدة، كشفت تقارير صحيفة The Washington Post عن ارتفاع معدلات الاستدانة الشخصية بين المواطنين لتغطية نفقات أساسية كالإيجار والوقود، حيث لم يعد الادخار خياراً واقعياً، بل بات رفاهية نادرة.
قبل عقد من الزمن، كان اقتناء هاتف ذكي حديث، أو السفر في عطلة سنوية، أو تناول وجبة في مطعم راقٍ، من الكماليات المقبولة، أما اليوم، فبات شراء اللحم، أو حليب الأطفال، أو حتى دفع رسوم التنقل اليومي للعمل، يمثل تحدياً يومياً. منظمة أوكسفام الدولية أشارت في تقريرها لعام 2023 إلى أن “الأسرة المتوسطة في العديد من الدول النامية أصبحت تنفق أكثر من 50% من دخلها الشهري على الغذاء فقط”، وهو ما يترك هامشاً ضئيلاً للغاية لتلبية باقي الاحتياجات.
لا تقتصر آثار هذا التدهور الاقتصادي على الجانب المادي فقط، بل تمتد إلى الصحة النفسية، فقد أظهرت دراسة نشرتها مجلة The Lancet أن التوتر الناتج عن الضغوط المعيشية ارتفع بنسبة 25% خلال السنوات الثلاث الأخيرة، خاصةً في صفوف الشباب والنساء، وتزامن ذلك مع ارتفاع حالات القلق والاكتئاب.