انبثق مؤخرًا ترند جديد على منصات التواصل الاجتماعي، غيّر قواعد اللعبة وحرّك المياه الراكدة في النقاش المجتمعي حول التحرش، فنساء جزائريات قررن مواجهة المتحرشين بأسلوب غير مسبوق: توثيق سلوكياتهم بكاميرا الهاتف ومشاركة الفيديوهات بشكل علني، بهدف فضح المعتدين، وردعهم، وكسر دائرة الصمت التي طالما أحاطت بهذا السلوك.
لم تعد المرأة الجزائرية تكتفي بالصراخ أو التجاهل أو تغيير الطريق، بل باتت تمسك الهاتف كما لو أنه درع، وتصوبه نحو وجوه من ظنوا أن مساحتها الخاصة متاحة للاختراق. وما إن يتم توثيق اللحظة، حتى تُرفع المقاطع إلى “إنستغرام”، “تيك توك” أو “فيسبوك”، مصحوبة برسائل قوية تفضح المعتدي وتُطالب بالمحاسبة، في مشهد جديد يعكس وعيا جماعيا يتبلور في أوساط النساء حول أهمية المقاومة والتوثيق والمواجهة.
هذه الموجة الرقمية، التي سرعان ما تحوّلت إلى حركة فعلية واسعة، خلقت جدلًا كبيرًا في الأوساط الجزائرية. البعض رأى فيها خطوة جريئة تعيد الاعتبار لكرامة المرأة، وتفرض على المعتدي مواجهة فعلته أمام الرأي العام. فيما آخرون انتقدوا الأسلوب بدعوى التشهير أو التشكيك في النوايا، معتبرين أن نشر الفيديوهات قد يحمل مخاطر قانونية أو يفضي إلى حالات من الانتقام أو الخطأ في الهوية. لكن وسط هذا الجدل، برز صوت جديد، وُلد من المعاناة والإصرار، يقول بوضوح: “كفى صمتًا”.
ولعل اللافت في هذه الحركة هو أنها لم تنتظر دعم مؤسساتي أو تدخل رسمي، بل نشأت من الشارع، من حكايات نساء عاديات، قررن ألا يكنّ ضحايا بعد اليوم.
ما يحدث اليوم في الجزائر ليس مجرد موجة عابرة، بل تحوّل ثقافي قيد التشكل. هو إعلان واضح أن النساء يمتلكن الآن الصوت، والأداة، والوعي، وأن الشارع لم يعد ساحة يُفرض عليهن فيها الصمت أو الهروب. الكاميرا اليوم لا توثق فقط لحظة التحرش، بل توثق يقظة مجتمعية، ونضجًا حقوقيًا يتجاوز مجرد رد الفعل.