الكاتب: رضوان الله العطلاتي
في مشهدٍ غريب لم ترى دبلوماسية البيت الأبيض مثله من قبل، كان المكتب البيضاوي مسرحًا لصراعٍ لا يعترف بالرحمة ولا بالمهادنة. جلَسَ فولوديمير زيلينسكي، في مواجهة خصمه العنيد: دونالد ترامب. كان الأخير، بكل جبروته يراقب من خلف نظراتٍ حادة، مدعوما بنائبٍ أسودَ الطيف: هو جي دي فانس. أما زيلينسكي، فقد كان وحيدًا، محاطًا بصمتٍ ثقيل، محاصرا في زنازين من الضغط السياسي والاقتصادي، بينما انهالت عليه كلمات ترامب القاسية وكأنه متهم في محكمة، لا رئيس دولة يفترض أنه “حليف”.
الكاميرات رصدت لحظة الطرد الدرامية، حيث غادر زيلينسكي البيت الأبيض بسرعة، خالي الوفاض دون أسلـ.. ـحة ودون اتفاق، ولا حتى فرصة لالتقاط أنفاسه. أما ترامب، فخرج من عرينه منتصرًا كما يحلو له، بعد أن جعل من هذه المواجهة درسًا جديدًا في دبلوماسية “إما أن توقع أو تغادر منكسرا”.
منذ البداية قضي الأمر، فصاحب الشعر البرتقالي الذي لطالما تبجح بقدرته على إنهاء الحرب الأوكرانية الروسية “خلال 24 ساعة”، لم يكن يبحث عن حل وسط. بل عن صفقة! وكما يعرف الجميع، رجل أعمال يرتدي رداء رئيس لا يحب سوى الصفقات الكبرى، وتلك كانت صفقة “المعادن مقابل البقاء”، حيث عرض على أوكرانيا أن تمنح واشنطن 50% من معادنها الثمينة كتعويض عن الأموال التي أنفقتها أمريكا لدعمها ضد روسيا، فعلى الورق قد يبدو العرض منطقيًا، لكن زيلينسكي لم يكن مستعدًا للعب دور تاجر مفلس يوقع تحت الضغط، خاصة مع وجود بند إضافي في الاتفاقية: توقيع معاهدة سلام مع موسكو بشروط ترامب، وليس بشروط أوكرانيا.
منذ لامست حقيبته أرض واشنطن، كانت الأمور تبدو غير مريحة، ترامب نظر إليه متفحصا مستهزئا بملابسه العسكرية عند مدخل البيت الأبيض، وكأنه يرسل رسالة واضحة: “هذا ليس اجتماع تعاطف، بل اجتماع عمل”. وبعد دقائق قليلة فقط، تفجر النقاش داخل المكتب البيضاوي. “وقّع الاتفاق أو نخسر وقتنا”، قالها ترامب مباشرة، دون لف أو دوران. جي دي فانس زاد الطين بلة، مذكّرًا زيلينسكي بأن جيشه ينزف، بينما أمريكا لا تنوي دفع المزيد من الفواتير، ورغم أن زيلينسكي حاول التماسك، فعندما أشار إلى أن واشنطن ستشعر بالخطر يومًا ما من التهديد الروسي، انفجر ترامب في وجهه: “لا تلمسني!”، ليحسم الجدل بطرده من البيت الأبيض، ويُسدل الستار على هذه المواجهة غير المتكافئة.
هذه ليست مجرد لحظة محرجة لزيلينسكي، بل لحظة تحوّل جيوسياسي! لأول مرة، نرى رئيسًا أمريكيًا يوبخ رئيسًا آخر علنًا، ويطرده بلا تردد، فلم يكن هذا مجرد موقف ضد أوكرانيا، بل رسالة إلى أوروبا بأكملها: “إذا لم تدفعوا، فإن أمريكا ليست مضطرة لحمايتكم!”، بل وأكثر من ذلك، كان هذا مؤشرًا قويًا على أن ترامب قد يكون أكثر استعدادًا للتقارب مع روسيا مما تظن أوروبا، فصفقة محتملة بين واشنطن وموسكو، وتراجع في دعم الحلفاء التقليديين، كلها إشارات إلى أن العالم الذي نعرفه قد تتغير موازينه قريبًا.
خروج زيلينسكي من البيت الأبيض دون توقيع لم يكن هزيمة شخصية بقدر ما كان إعلانًا عن موقف راسخ: “لن نبيع أوكرانيا حتى لو خذلتنا واشنطن”، من جانبها أوروبا سارعت لإظهار دعمها، وتحول حسابه على منصة “إكس” إلى ساحة تضامن دولي، لكنه في النهاية لا يزال بحاجة إلى العدة والعتاد أكثر من التغريدات. أما ترامب، فقد خرج ليعلن أن زيلينسكي طلب العودة إلى البيت الأبيض، لكنه رفض، قائلًا: “لن يكون هناك لقاء جديد ما لم يوقّع على الاتفاقية”، وكأن العالم أصبح مجرد سوق تجارية يديرها رجل أعمال لا يقبل بالخسارة.
هذه المواجهة ليست سوى بداية لفصل جديد في السياسة العالمية، ترامب يعيد رسم الخريطة بأسلوبه الخاص، وأوروبا قد تجد نفسها قريبًا في مأزق جديد، بينما يقف بوتين متفرجًا، مبتسمًا من الكرملين، في انتظار ما ستسفر عنه هذه التحولات، ليبقى السؤال المطروح: من التالي في قائمة “الطرد الدبلوماسي” لترامب؟