ما إن لامست أولى قطرات المطر أراضي سيدي الطيبي حتى علت الوجوه ابتسامة رضا، فالمطر في المخيال الشعبي رمز للخير والبركة، لكن هذه الفرحة لم تدم طويلًا، إذ تحوّلت تلك القطرات إلى سيول هادرة، اجتاحت الأزقة، واكتسحت البيوت، وغمرت الطرقات، تاركةً وراءها مشاهد الدمار واليأس.
في قلب هذه الفوضى، وقف السكان مذهولين أمام منازلهم الغارقة، يحاولون إنقاذ ما يمكن إنقاذه، ولم يفرق السيل بين غني وفقير، بين عجوز يبحث عن مأوى وطفل يبحث عن ألعابه الضائعة في المياه العكرة.
إحدى السيدات، وقد تملّكها الحزن، تحكي بمرارة: “البانيوهات عايمة في المراح، والتلفزة مشات مع الما، حتى اللقمة اللي بغينا ناكلوها كتمر وسط الطوفان.”
المشهد لم يكن أقل مأساوية على الطرقات، حيث توقفت الحركة تمامًا، سيارات عالقة، دراجات طافية، وأقدام تغوص في الطين كأنها تحاول انتزاع نفسها من قبضة الطبيعة الغاضبة.
أحد المارة يشتكي قائلاً: “نبغي ندوز من الطريق، ولكن رجلينا تتغرق فالماء، ما كاين لا مفر ولا مهرب.”
ومع تفاقم الكارثة، بدأ التساؤل يتصاعد في الأفق: أين الاستعدادات؟ أين البنية التحتية التي من المفترض أن تصمد أمام هذه الظروف؟ هل كُتب على سكان سيدي الطيبي أن يعيشوا هذا الكابوس في كل موسم مطر؟ الوعود السابقة بتهيئة المنطقة لم تجد طريقها إلى الواقع، وما زالت الأحياء الهشة أول الضحايا في مواجهة الطبيعة.
وفي ظل هذه المعاناة، يبقى أمل الساكنة معلقًا على الجهات المسؤولة، علّها تستيقظ من سباتها وتضع حدًا لهذه الكوارث المتكررة. فكما أن المطر رحمة، يمكن أن يصبح لعنة إذا لم تُتخذ التدابير اللازمة. وبانتظار الحل، لا يجد السكان سوى رفع أكفهم للسماء، داعين الله أن يكون القادم أفضل، وأن تتبدد الغيوم، ليس فقط من سماء سيدي الطيبي، ولكن من واقعها أيضًا.