في إنجاز علمي غير مسبوق، تمكّن فريق من الباحثين في جامعة كولومبيا بالولايات المتحدة من حل لغز عمره أكثر من مئة عام باستخدام الذكاء الاصطناعي، في خطوة قد تفتح الطريق أمام تطورات واسعة في مجالات التكنولوجيا وعلوم المواد.
فقد نجح العلماء في تحديد البنية الذرية الدقيقة للبلورات النانوية، وهي جزيئات متناهية الصغر تستخدم على نطاق واسع في الصناعات الإلكترونية وتطوير المواد الحديثة، بالإضافة إلى تطبيقات في علم الآثار وتحليل القطع الأثرية.
وكانت هذه الجزيئات الصغيرة تمثل تحديًا طويل الأمد للعلماء، نظرًا لافتقارها إلى الترتيب البلوري المنتظم، مما جعل تقنيات حيود الأشعة السينية التقليدية غير مجدية في دراستها. إذ تعتمد تلك التقنيات على بلورات كبيرة ومنظمة لإظهار نمط محدد يساعد في تحديد ترتيب الذرات، بينما البلورات النانوية تُشتّت الأشعة في أنماط معقدة يصعب فك شفرتها. رغم ذلك، لم يستسلم فريق البحث، بل طور خوارزمية جديدة تحت اسم PXRDnet، مدعومة بذكاء اصطناعي متقدم، قادرة على تحليل أنماط حيود غير واضحة بناءً على قاعدة بيانات تضم عشرات الآلاف من التركيبات البلورية.
ومن خلال تدريب الخوارزمية على هذه الأنماط، تمكن الفريق من استنتاج الترتيب الذري المحتمل للمواد المدروسة، دون الحاجة إلى معلومات فيزيائية مباشرة عنها. في المقابل، عبّر البروفيسور سيمون بيلينغ عن دهشته من قدرة الذكاء الاصطناعي على تعلّم القواعد التي تسمح بها الطبيعة، وهو ما مكنه من تجاوز العقبات التي أعاقت العلماء لعقود.
بالإضافة إلى ذلك، أشار الباحثون إلى أن الخوارزمية قادرة على تحليل بلورات نانوية بحجم لا يتجاوز 10 أنغستروم، أي أقل بعشرة آلاف مرة من سماكة شعرة الإنسان، وهو إنجاز يمثل نقلة نوعية لفهم المواد على المستوى الذري دون الحاجة إلى أدوات باهظة أو بلورات مثالية.
من جهة أخرى، أكّد قائد الفريق غابي غو أن استخدام الذكاء الاصطناعي في هذا السياق يعكس تطورًا هائلًا، مذكرًا بأن هذه التقنية كانت حتى وقت قريب تكافح في تمييز القطط من الكلاب.
وفي المقابل، أوضح البروفيسور هود ليبسون أن ما يثير الإعجاب هو قدرة الذكاء الاصطناعي، رغم عدم امتلاكه للحدس الفيزيائي أو المعرفي، على حل مشكلات معقدة استعصت على الخبراء لأكثر من قرن.
ويؤكد هذا الإنجاز أن الذكاء الاصطناعي ليس مجرد أداة للمساعدة، بل قوة قادرة على تقديم حلول علمية رائدة في ميادين متعددة، مما يفتح آفاقًا واعدة لاكتشافات مستقبلية قد تغير ملامح البحث العلمي كما نعرفه.