في لحظاتٍ تغمرها الدهشة والألم، وقفت الأم وهي تبحث عن ابنيها المختفيان منذ يوم أمس الجمعة الموافق لـ14 شتنبر الجاري عند غروب الشمس. مشهد الأطفال وهم يلعبون أمام باب البيت كان عادياً، مما جعل الأم تتوقع أن الأمر لا يعدو كونه لعب أطفال، فهم يتغامزون ويتحدثون معها مطمئنين إياها: “ماما غير ارتاحي، إحنا غادي نديرو لك مفاجأة”. لكن تلك الطمأنة كانت بداية لانقلاب هائل في حياتها، حيث لم تستغرق نصف ساعة حتى اكتشفت أن ما كان يبدو عاديًا تحول إلى غياب مقلق.
فيما كانت الأم تتابع ترتيب الأطفال لأغراضهم استعداداً للنوم، كل شيء بدا طبيعياً: الشنط مرتبة، واللباس جاهز، والأطفال قد لبسوا البيجامات. لكن ابنها الصغير طلب منها تبديل ملابسه بحجة الخوف من البرد، مشهد عادي لولا أن هذا الطلب كان آخر شيء تتذكره الأم قبل أن تبدأ رحلة البحث المريرة.
بعد دقائق من الغياب، خرجت الأم تبحث وتصرخ في كل مكان، تصعد السطح، تفحص الأزقة، دون أي أثر، وفي لحظة من الذهول، سمعت من الجيران أن عائلة مرت بالقرب منهم وأخذت الأطفال معها، مشيرة إلى أنها كانت تحمل الكاميرات والأموال، وهي تخطط للهرب، شعور الفقدان الممزوج بالخوف دفع الأم للركض وراءها، لكن دون جدوى، لم تلحق بهم.
في ظل اختفاء طفليها الذين لا يتجاوز عمر أكبرهما 14 سنة والأصغر 10 سنوات، بدأت الأم في جولة محمومة بحثاً عن أدنى خيط قد يقودها إليهما. اتجهت نحو مواقف سيارات الأجرة وسألت السائقين عما إذا كانوا قد رأوا الأطفال، لكن الردود جاءت مخيبة. الجميع كان يقول: “ممنوع علينا نقل الأطفال، لا نعرف عنهم شيئاً”، ومع كل رد سلبي، كانت الأم تزداد هلعًا وخوفًا.
رغم شعورها بالعجز، لم تستسلم. أخذت سيارة وتوجهت إلى نقاط التفتيش، محاولة العثور على أي أثر يقودها إلى أطفالها. لم تترك مكاناً لم تطرقه، بحثت في الحافلات التي تقل المهاجرين السريين، على أمل أن يكونوا قد انتقلوا بطريقة ما، وصلت إلى الباب الحدودي لسبتة، حيث كانت تنهار بين الحين والآخر من كثرة التعب والقلق.
القلوب المحطمة لا تستسلم بسهولة، تستمر الأم في ندائها للعالم من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، تُظهر صور أبنائها وتطلب المساعدة من طرف كل من قد يشاهد أو يسمع عنهما. مشاعر الحزن والغضب تسيطر عليها، وهي تردد “الله ياخذ فيهم الحق” لكل من شارك في اختفاء فلذات كبدها، مطالبة بالمساعدة من أبناء وطنها الذين عُرفت عنهم التضامن.
اللحظة التي تتحدث فيها الأم أمام المنابر الإعلامية بوجه مكشوف، تعبر عن شجاعة كبيرة رغم الألم الكبير الذي تعيشه. فكل أم تعرف معنى هذا الشعور، وكل أم تحس بوجعها.
المصدر: Alalam24