شهدت كلية الحقوق بجامعة القنيطرة لقاءً علميًا تواصليًا متميزًا، أضاء خلاله الأستاذ عبد الصمد البردعي، النائب الأول لرئيس المكتب الجهوي لنادي قضاة المغرب بالقنيطرة وباحث بسلك الدكتوراه بكلية العلوم القانونية والسياسة، على الأدوار الحيوية للنيابة العامة في حماية المقاولة وتحفيز الاستثمار، مُبرزًا التحولات العميقة التي عرفها هذا الجهاز القضائي في سياق تنزيل السياسة الجنائية الحديثة.
في بداية محاضرته، ثمّن الأستاذ البردعي الجهود المبذولة من طرف الأستاذة فريدة ميموري، التي أضفت على اللقاء طابعًا إنسانيًا وعمقًا علميًا، مؤكدًا أن اختيار موضوع “دور النيابة العامة في حماية المقاولة وجلب الاستثمار” لم يكن وليد الصدفة، بل جاء استجابة لأهمية المقاولة كقاطرة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في البلاد.
وأوضح الأستاذ البردعي أن النيابة العامة، التي ارتبطت تقليديًا بمحاربة الجريمة والتصدي للظواهر الإجرامية، أصبحت اليوم تضطلع بأدوار أوسع في تنزيل المقتضيات الدستورية والتشريعية الرامية إلى تحصين بيئة الأعمال، مستحضرا في هذا الصدد المنشور الأول لرئاسة النيابة العامة لسنة 2017، الذي أرسى مبدأ استقلال النيابة العامة عن وزارة العدل، بما سمح لها بتطوير مقاربات تشاركية تسهم في استقرار المعاملات وتحقيق الأمن القانوني والقضائي.
وسلّط الضوء على الجوانب القانونية التي تندرج في إطار حماية المقاولة، مستعرضًا طيفًا واسعًا من الأفعال المجرّمة التي تهدد كيانها، سواء في القانون الجنائي العام أو في القوانين الزجرية الخاصة. وتطرّق في هذا الإطار إلى الجرائم التي تمس الثقة والأمانة، مثل جريمة النصب والسرقة وخيانة الأمانة وخيانة الورقة الموقعة على بياض، فضلًا عن جرائم العصر الحديث كالتلاعب بالمعطيات الإلكترونية والابتزاز عبر الشبكات.
كما عرّج على مجموعة من القوانين الخاصة التي تحصّن المقاولة ضد الممارسات غير المشروعة، مثل إساءة استعمال أموال الشركة، وتزييف العلامات التجارية، وبيع المنتجات المزيفة، والبيع الهرمي، وغيرها. وأكد أن النيابة العامة، عبر إشرافها على البحث وممارستها الدعوى العمومية، تملك من الآليات ما يمكنها من التدخل الفعّال لحماية هذه المؤسسات الاقتصادية.
وانتقل الأستاذ البردعي بعد ذلك إلى الحديث عن الجانب العملي للأدوار الوقائية للنيابة العامة، مُشيرًا إلى مقاربتين أساسيتين: المقاربة القبلية، التي تبدأ بفهم المكلفين بإنفاذ القانون للنصوص القانونية ومواكبة تطبيقها السليم، والمقاربة البعدية، التي تتمثل في تحريك الدعوى العمومية عند الاقتضاء. وأوضح أن النيابة العامة تظل خصمًا شريفًا، هدفها تحقيق العدالة وحماية مصالح المجتمع، مع فسح المجال أحيانًا لحلول بديلة كالصلح والتسوية، خاصة في الجرائم المالية التي قد ترتبط بظروف اقتصادية استثنائية.
ولم يغفل الأستاذ البردعي الإشارة إلى أهمية استثمار التعاون بين النيابة العامة وباقي الفاعلين في العدالة الجنائية، من ضباط الشرطة القضائية والخبراء، إلى جانب الجامعة التي تظل شريكًا أساسيًا في تعزيز البحث العلمي القانوني، داعيًا إلى استمرار هذه اللقاءات العلمية كرافعة لترسيخ دولة الحق والقانون.
في ختام مداخلته، جدّد الأستاذ البردعي التأكيد على أن حماية المقاولة ليست مجرد هدف اقتصادي، بل هي التزام جماعي يضمن استقرار المجتمع وثقة المستثمرين في مناخ الأعمال. كما عبّر عن شكره لجميع الحاضرين على حسن الإصغاء والتفاعل، مُبرزًا أن النيابة العامة ستظل حاضرة، بروح القانون والعدالة، لتواكب تطلعات الوطن نحو تنمية شاملة ومستدامة.