الشركات الجهوية متعددة الخدمات.. رؤية جديدة لتعزيز كفاءة الماء والكهرباء بالمغرب بين الإصلاحات والتحديات

في خطوة جريئة نحو تعزيز كفاءة الخدمات العمومية وتطوير البنية التحتية، أطلقت المملكة المغربية مبادرة رائدة تتمثل في إنشاء شركات جهوية متعددة الخدمات، تهدف إلى تحسين جودة توزيع الماء الصالح للشرب، الكهرباء، والتطهير السائل، مع ضمان استمرارية الخدمة العمومية وتعميم الولوج إلى هذه الخدمات الأساسية في مختلف جهات المملكة.

وتأتي هذه المبادرة استجابةً للتحديات المتزايدة في قطاعي الماء والكهرباء، حيث تسعى الدولة إلى دمج مختلف الفاعلين في كيان واحد لتحقيق تنسيق أفضل وفعالية أكبر في تقديم الخدمات.

وقد تم إحداث 12 شركة جهوية متعددة الخدمات بشكل تدريجي على ثلاث مراحل، وفقًا لأحكام القانون رقم 21-83 المتعلق بهذه الشركات، والمنشور في الجريدة الرسمية عدد 7213 بتاريخ 17 يوليوز 2023.

في هذا السياق، يظل ملف “ريضال” في الرباط-سلا-تمارة محط جدل ونقاش بين مختلف الأطراف المعنية، خصوصًا فيما يتعلق بآليات الانتقال من نموذج التسيير الحالي إلى النموذج الجديد الذي تؤطره الشركات الجهوية متعددة الخدمات.

فيما سجل مجلس الجهة سجل مجموعة من الملاحظات حول هذا الانتقال، من أبرزها ضرورة الحفاظ على حضور قوي للجماعات الترابية داخل تركيبة الشركات الجديدة، لضمان استمرارية الطابع العمومي للخدمة وعدم تفويت تدبيرها للقطاع الخاص بشكل غير مضبوط، ورغم أن هناك اتفاقًا عامًا على أن تجميع مختلف الخدمات في فاعل وحيد يمكن أن يكون إيجابيًا من حيث التنسيق والنجاعة، إلا أن بعض الأطراف ترى أن هذا النموذج يحمل تحديات، لا سيما في ما يتعلق بالتسعيرة وضبط آليات التدبير.

وقد أظهرت التجربة الدولية أن بعض الدول التي خاضت تجربة تفويت هذه الخدمات للقطاع الخاص عادت مجددًا لتبني نموذج التدبير العمومي عبر المؤسسات المحلية، كما هو الحال في باريس، حيث تم استرجاع خدمات الماء من الشركات الخاصة لصالح التدبير العمومي لضمان استقرار الأسعار وتحسين جودة الخدمة.

هذا ما يجعل النقاش حول ملف “ريضال” أكثر أهمية، خصوصًا في ظل عدم وضوح الرؤية بخصوص ما إذا كان سيتم إنهاء عقد التدبير المفوض قبل أوانه، وما يترتب عن ذلك من تكلفة مالية.

وتظل المسألة المالية إحدى النقاط الحساسة في هذا الملف، إذ لم يتم الكشف رسميًا عن القيمة الإجمالية لإنهاء العقد، لكن التجربة في الدار البيضاء توحي بأن إنهاء العقود المفوضة قد يكون مكلفًا، وهو ما يفرض على السلطات توضيح المعطيات للرأي العام لتجنب أي لبس أو غموض.

كما أن انتقال المستخدمين من النظام الحالي إلى النموذج الجديد يطرح تساؤلات حول حقوقهم المهنية والاجتماعية، خاصة أن هذا النوع من التحولات غالبًا ما يكون مصحوبًا بإعادة هيكلة إدارية قد تؤثر على وضعيتهم الوظيفية.

الرهان على الشركات الجهوية متعددة الخدمات يسعى إلى خلق نموذج تدبيري أكثر فعالية يراعي العدالة المجالية، ويضمن توفير الخدمات الأساسية بشكل متكافئ بين الحواضر والقرى، لكن نجاح هذا النموذج سيظل مرهونًا بمدى تحقيقه للتوازن بين القطاع العام والخاص، وضبط تسعيرة الخدمات، وتوفير آليات رقابة فعالة تضمن عدم انحراف هذه الشركات عن أهدافها الأصلية.

ملف “ريضال” سيكون اختبارًا حقيقيًا لمدى قدرة الدولة على إدارة هذا التحول بسلاسة، مع الحفاظ على حقوق المستهلكين وضمان شفافية القرارات المتخذة، فهل ستكون هذه الخطوة بدايةً لعهد جديد من الخدمات العمومية الفعالة، أم أن المخاوف المثارة ستثبت صحتها مع مرور الوقت؟ الأيام وحدها كفيلة بالإجابة.

شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...