بقلم: إدريس زويني
في الوقت الذي تتحرك فيه الدبلوماسية الأمريكية بخطوات حثيثة لطي صفحة القطيعة بين المغرب والجزائر عبر مبادرة سلام تاريخية في أفق ستين يوما، تعيش القيادة الجزائرية وذراعها الانفصالي في تندوف حالة ارتباك غير مسبوقة. فالمقترح الأمريكي، الذي يرتكز على دعم الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية كحل نهائي لقضية الصحراء المغربية، وضع الجزائر أمام معادلة صعبة: إما الانخراط في مسار سلام واقعي يخدم استقرار المنطقة، أو التمسك بسياسة العناد والمناورة التي لم تجلب سوى العزلة وخسارة 50 مليار دولار.
منذ خمسة عقود، جعلت الجزائر من قضية الصحراء ورقة ضغط ضد المغرب، مستثمرة في مشروع انفصالي هش ميليشيات البوليساريو، لكنها اليوم تجد نفسها أمام واقع جديد تفرضه المتغيرات الدولية. فالإدارة الأمريكية، بقيادة المبعوث الخاص ستيف ويتكوف، لا تتعامل مع النزاع المفتعل من زاوية شعارات تقرير المصير، بل من منطلق براغماتي يقوم على حل سياسي واقعي ودائم، أي الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، وهو ما يعني سقوط آخر أوراق الابتزاز التي تمسكت بها الجزائر لعقود.
غير أن رد الفعل الجزائري جاء سريعا ومليئا بالمكر الدبلوماسي. فبدل الانخراط بصدق في المبادرة الأمريكية، اختارت الجزائر أن تحرّك دُماها، مطالبة بإحياء مقترحات قديمة في محاولة لتصوير النزاع المفتعل وكأنه لا يزال مفتوحا على النقاش. هذا التكتيك يهدف في جوهره إلى كسب الوقت وتعطيل القرار الدولي، وتأجيل الحسم في دورة مجلس الأمن نهاية الشهر، ريثما تجد الجزائر مخرجا يحفظ ماء وجهها بعد أن خسرت معركة الشرعية والمشروعية أمام المجتمع الدولي.
لكن واشنطن بدت أكثر وعيا بهذا الخبث السياسي. فالمبعوث الأمريكي أوضح بجلاء أن السلام بين المغرب والجزائر لن يتحقق دون تثبيت حل قضية الصحراء عند سقف الحكم الذاتي، أي أن البيت المغاربي لن يبنى على رمال الوهم التي تروجها ميليشيات البوليساريو. وهنا يكمن جوهر الأزمة بالنسبة لكابرنات الجزائر: كيف تدخل في مفاوضات سلام وهي تدرك أن الصحراء المغربية خرجت نهائيا من دائرة النزاع المفتعل، وأن العالم يعترف بسيادة المغرب عليها؟
إن أخطر ما في الموقف الجزائري أنه لا يتعامل مع السلام كخيار استراتيجي، بل كـمناورة ظرفية هدفها حماية النفوذ العسكري والسياسي الداخلي. فكابرنات الجزائر يدركون أن أي مصالحة حقيقية مع المغرب ستسحب البساط من تحت دعايتهم القائمة على العدو الخارجي، وهي الدعاية التي بها يبررون استمرار قبضتهم على السلطة وتكميم أصوات المعارضة.
أما ميليشيات البوليساريو، التي استنفدت كل أوراقها العسكرية والسياسية فقد تحولت اليوم إلى بوق للجزائر. تلوح بالحرب حين تؤمر، وتدعي السلم حين يطلب منها.
تسعى واشنطن اليوم إلى بناء سلام واقعي، وليس هدنة تكتيكية. ولذلك، فإن الاستراتيجية الأمريكية تقوم على فصل الملفات: تثبيت السيادة المغربية على الصحراء أولا، ثم الانتقال إلى تطبيع العلاقات الثنائية وفتح الحدود واستئناف التعاون الاقتصادي.
أما الجزائر، فتريد إبقاء كل الملفات متشابكة لتستمر في المتاجرة بورقة الصحراء على طاولة المساومات.
وفي ظل هذا الصراع بين الواقعية المغربية والازدواجية الجزائرية، يبدو أن السؤال لم يعد: هل ستنخرط الجزائر في مسار السلام؟ بل: هل تملك أصلا الإرادة السياسية لذلك؟ فالتاريخ علمنا أن الأنظمة التي تبني قوتها على العداء لا تعيش إلا في ظل الأزمات.
إن المقترح الأمريكي اليوم يشكل اختبارا أخلاقيا وسياسيا للدولة الجزائرية. فإما أن تختار منطق التعاون والمستقبل، أو تظل رهينة أوهام الماضي التي تجاوزها العالم. أما المغرب، فقد حسم موقفه منذ زمن: الصحراء في مغربها، والمغرب في صحرائه، والسلام لا يبنى إلا على قاعدة السيادة والاحترام المتبادل، لا على مقايضات الوهم والانفصال
