في الآونة الأخيرة، انتشرت على منصات التواصل الاجتماعي مقاطع ومحتويات تزعم وجود “جدار جليدي” ضخم في القارة القطبية الجنوبية (أنتاركتيكا)، يُقال إنه يحيط بالأرض ويمنع العبور إلى ما وراءه، وقد ارتبط هذا الإدعاء ارتباطًا وثيقًا بنظريات المؤامرة التي تتبناها بعض التيارات، وعلى رأسها حركة “الأرض المسطحة” Flat Earth
تعتمد هذه الادعاءات على صور ومقاطع فيديو تُظهر منحدرات جليدية حادة على سواحل أنتاركتيكا، ويتم التعليق عليها بوصفها “حواجز طبيعية عملاقة” تشكّل نهاية الأرض، وتُرافق هذه المنشورات شائعات تدور حول منع أمني مشدد ووجود أسرار خفية محجوبة عن العالم.
بحسب وكالة رويترز (Reuters)، فإن ما يُروَّج له بوصفه “جدارًا جليديًا” ليس إلا رفوفًا جليدية طبيعية (Ice Shelves)، وهي ظواهر جيولوجية معروفة تتكون عند التقاء الأنهار الجليدية بالمحيط. وتُعد هذه الرفوف جزءًا من الديناميكيات الطبيعية للمناطق القطبية، حيث تتشكل من طبقات متراكمة من الجليد تمتد فوق سطح الماء وتغوص تحته.
على سبيل المثال، يُشبه المشهد الذي يُروّج له كثيرًا رفَّ Ross Ice Shelf، أحد أكبر الرفوف الجليدية في العالم، الذي يصل ارتفاعه فوق سطح الماء إلى ما بين 60 و100 متر، بينما يمتد عمقه لمئات الأمتار تحت البحر، وتظهر هذه الظواهر أيضًا في القطب الشمالي، وهي موثقة ومفهومة علميًا ضمن دراسات الجيولوجيا والمناخ القطبي.
يرى الخبراء أن تفسير هذه المشاهد كـ”جدار” ناتج في كثير من الأحيان عن ظاهرة بصرية تُعرف باسم Fata Morgana، وهي نوع من السراب يحدث بسبب انكسار الضوء فوق الأسطح الجليدية أو المائية، ما يعطي الانطباع بوجود حواجز ضخمة أو هياكل ممتدة وهمية، وقد أشار بعض الباحثين العاملين في الميدان القطبي إلى أن هذا النوع من السراب يُستغل بصريًا في مقاطع الفيديو لصناعة روايات خيالية.
لا يعد ما يُعرف بـ”الجدار الجليدي” حسب عدد من الخبراء أكثر من سوء فهم علمي أو تلاعب بصري يتم توظيفه في إطار خطاب تشكيكي يفتقر إلى الأسس الموضوعية، ومع استمرار تدفق المعلومات غير الموثوقة عبر المنصات الرقمية، تبرز الحاجة إلى تعزيز الثقافة العلمية ومهارات التحقق من المصادر، باعتبارها خط الدفاع الأول أمام تضليل الحقائق وتشويه المعرفة.