تسير الأبحاث العلمية في مجال تواصل الحيوانات بخطى ثابتة نحو تحقيق اختراقات غير مسبوقة، وذلك بفضل التقدمات الحديثة في الذكاء الاصطناعي.
ففي حين أن العلماء كانوا قد بدأوا في ملاحظة تفاعل الحيوانات مع بيئتها منذ فترة طويلة، إلا أن القدرة على فك رموز “لغات” الكائنات الحية الأخرى باتت أقرب من أي وقت مضى بفضل تقنيات التعلم الآلي. من ذكاء غربان كاليدونيا الجديدة في صنع الأدوات إلى الأنماط الصوتية المعقدة التي تصدرها حيتان العنبر، يمكننا الآن أن نفتح نافذة جديدة لفهم تواصل الحيوانات.
على الرغم من أن فكرة تواصل الحيوانات قد شغلت العلماء منذ القدم، إلا أن المخاوف من الوقوع في فخ المقارنات المبالغ فيها قد عطلت تقدم الأبحاث في هذا المجال لسنوات.
اليوم، ومع ظهور نماذج الذكاء الاصطناعي القادرة على تحليل كميات ضخمة من البيانات، أصبح العلماء متفائلين أكثر من أي وقت مضى. يرى كريستيان روتز، عالم البيئة السلوكية، أننا نعيش الآن في مرحلة محورية قد تغير بشكل جذري فهمنا لسلوك الحيوانات التواصلي.
يعمل العديد من المشاريع الرائدة في هذا المجال، مثل “أنواع الأرض” الذي يترأسه آزا راسكين، على جمع بيانات من مختلف أنواع الحيوانات باستخدام تقنيات تعلم آلي متطورة، بهدف فك رموز أصواتها وتفسير سلوكها. في الوقت نفسه، يركز مشروع “ترجمة الحيتان” (CETI) على تحليل النقرات الصوتية المميزة لحيتان العنبر، وقد تمكن الفريق من تحديد الأفراد من خلال أصواتهم بدقة تصل إلى 99%، وهو ما يمثل تقدمًا كبيرًا في فهم تواصل هذه الكائنات البحرية.
ومع التطور السريع في تقنيات جمع البيانات وانخفاض تكاليف أجهزة الاستشعار، أصبح العلماء الآن يمتلكون حجمًا غير مسبوق من المعلومات حول سلوك الحيوانات.
هذه البيانات الهائلة تتطلب تحليلًا لا يمكن القيام به يدويًا، ولذلك يبرز دور الذكاء الاصطناعي الذي يمكنه استيعاب وتحليل هذه الكميات بشكل أسرع وأكثر دقة. يصف راسكين هذه الثورة القادمة بأنها تشبه اختراع التلسكوب، حيث سيغير الذكاء الاصطناعي تمامًا فهمنا للكائنات الحية وطرق تفاعلها مع بعضها ومع بيئتها.
وفي ضوء الاكتشافات الأخيرة، مثل طريقة الترجمة بين اللغات البشرية التي تم الإعلان عنها عام 2017، تفتح هذه التقنيات أبوابًا جديدة لفهم طرق التواصل التي كانت تبدو غامضة في الماضي.
مع تطور هذه الأدوات، يتوقع العلماء أننا سنتمكن قريبًا من فهم عوالم الحيوانات المعقدة وأشكال تواصلها المختلفة، مما سيمنحنا رؤية أعمق وأكثر شمولية لطبيعة العلاقات بين البشر والحيوانات.