“ومن العقل ألا يخبر المرء عن عمره”.. لماذا تثير هذه المقولة جدلاً على مواقع التواصل الاجتماعي؟

في مجتمعاتنا العربية، هناك اعتقاد شائع بأن الإنسان ليس من الحكمة أن يكشف عن عمره، وهو ما تعكسه المقولة المتداولة: “ومن العقل ألا يخبر المرء عن عمره”. هذه الفكرة لم تأتِ من فراغ، بل ترتكز على مزيج من العوامل النفسية والاجتماعية والثقافية التي تجعل من العمر أكثر من مجرد رقم، بل رمزًا يمكن أن يؤثر على نظرة الآخرين لنا وحتى على إدراكنا لأنفسنا.

العمر.. أكثر من مجرد أرقام

يميل الناس إلى ربط العمر بمحددات اجتماعية قد تكون ظالمة في بعض الأحيان، مثل التوقعات المسبقة حول مستوى النضج، الإنتاجية، أو حتى الجاذبية. فمن يبلغ سن العشرين يُنتظر منه أن يكون مفعمًا بالطاقة والطموح، ومن يتجاوز الأربعين يُتوقع منه أن يكون أكثر حكمة واتزانًا، بينما يُنظر إلى كبار السن أحيانًا بنظرة تعكس التراجع والضعف، رغم أن كل شخص يملك تجربة فريدة لا يمكن حصرها ضمن هذه القوالب الجاهزة.

لهذا السبب، يجد بعض الأفراد أن الاحتفاظ بعمرهم لأنفسهم يمنحهم حرية أكبر في التعامل مع الآخرين دون أن تؤثر هذه المعلومة على الطريقة التي يُنظر بها إليهم.

بين الخصوصية والتحرر من الأحكام المسبقة

في عصر أصبحت فيه المعلومات الشخصية مكشوفة أكثر من أي وقت مضى، يحرص البعض على الاحتفاظ بعمرهم كجزء من خصوصياتهم. فكما لا يكشف الجميع عن رواتبهم أو تفاصيل حياتهم الخاصة، يُعتبر العمر معلومة شخصية قد يفضل البعض عدم مشاركتها.

إضافة إلى ذلك، فإن إخفاء العمر قد يكون وسيلة للتحرر من الأحكام النمطية التي قد تُفرض على الشخص بناءً على سنّه. فهناك من يُعاملون باستهانة لأنهم أصغر سنًا، أو يُحرمون من فرص معينة لأنهم تجاوزوا سنًا معينًا، رغم أن الكفاءة والقدرة لا ترتبطان بالعمر بقدر ما ترتبطان بالتجربة والمهارات.

التأثير النفسي للعمر على الذات

كثيرًا ما يرتبط العمر بتأثير نفسي قد يؤثر على الثقة بالنفس وطريقة تعامل الشخص مع الحياة. فالبعض قد يشعر بالضغط عند بلوغ سن معينة، خصوصًا إذا لم يحقق بعد بعض الأهداف التي كان يطمح إليها، بينما قد يشعر آخرون بأنهم أصغر سنًا في روحهم وعقلهم، ولا يرغبون في أن يُحاصروا داخل رقم قد لا يعكس حقيقتهم.

إن التركيز على العمر قد يكون عائقًا أكثر منه عاملاً مساعدًا، إذ قد يُشعر الإنسان بأنه مطالب بالتصرف بطريقة معينة أو اتباع مسار محدد، بينما في الواقع، كل فرد يملك وتيرته الخاصة في الحياة.

متى يكون الكشف عن العمر ضرورة؟

بالرغم من أن الاحتفاظ بالعمر كمسألة شخصية يُعتبر خيارًا مشروعًا، إلا أن هناك حالات يكون فيها الكشف عن العمر ضروريًا، مثل المواقف الرسمية التي تتطلب ذلك كالمعاملات القانونية أو المهنية، أو في بعض الحالات الاجتماعية التي تستدعي الشفافية.

العمر تجربة وليس مجرد رقم

في النهاية، لا يُقاس الإنسان بعدد السنوات التي عاشها، بل بجودة الحياة التي اختبرها، وبالخبرات التي راكمها، وبالقيم التي يحملها. لذا، سواء اختار الشخص الكشف عن عمره أو الاحتفاظ به لنفسه، فإن الأهم هو أن يعيش حياته وفقًا لقناعاته، دون أن يسمح للأرقام بأن تتحكم في رؤيته لنفسه أو في نظرة الآخرين إليه.

شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...