أنفاس المسرح المغربي في الصحافة الوطنية بين أقلام الأمس ورقميات اليوم

بقلم: سمير السباعي

نظمت فرقة أبعاد للمسرح يومه الأربعاء 12 فبراير 2025 حوالي الرابعة و النصف عصرا، بدعم من وزارة الشباب والثقافة والتواصل في إطار برنامج توطين، ندوة فكرية بعنوان “السؤال الإعلامي في المسرح المغربي” ساهم في تأطير أشغالها كل من الحسين الشعبي و الطاهر الطويل و عبد اللطيف ندير.

وقد شكلت هذه اللحظة الثقافية مناسبة حاول خلالها هؤلاء المتدخلون كأسماء ساهمت لسنوات في تشكيل مساحات مهمة من التلاقي بين الكتابة الصحفية و الفعل المسرحي ببلادنا، طرح و مناقشة عدد من الأسئلة حول واقع مشهدنا المسرحي في صحافتنا المغربية اليوم من مداخل قرائية متعددة.

ومن أجل جعل هذه المادة الصحفية ذات أنفاس تفاعلية أكثر و دون الدخول في سردية الكتابة التقريرية أمكن الإمساك بمحورين اثنين، يبدو أنهما حركا النقاش الفكري العام الذي عرفته هذه الندوة. أولا، نجد أن الحديث عن أشكال المراكبة الإعلامية في صحافتنا المغربية بالأمس، للفعل المسرحي الوطني قد احتلت مساحة مهمة داخل مجريات اللقاء، حيث تم التأكيد هنا أن الكتابة الصحفية ببلادنا ساهمت منذ العقود الأولى للاستقلال و بمجهودات ذاتية لأغلب الممارسين في الميدان الصحفي آنذاك، ليس فقط في التعريف بالأعمال المسرحية المنجزة على مستوى إخبار الجمهور القارئ و إنما في الاضطلاع بدور تثقيفي محركه العضوي، هو الرغبة في إنتاج قراءات صحفية شبه نقدية لما تم عرضه من فرجات مسرحية بشكل كان يسمح بتمكين الفاعلين المسرحيين المغاربة أنفسهم، من الحصول على مواد إعلامية مكتوبة ذات حمولة ثقافية ساهمت في تشكيل جسور من التفاعل بين الجمهور المتتبع و ما كان ينجز من عروض مسرحية داخل فضاءات العرض(عبد اللطيف ندير والطاهر الطويل).

صحيح أن الزخم الثقافي في مغرب العقود الثلاثة بعد الاستقلال، ساهم تاريخيا في رسم تكامل معرفي و ثقافي منتج بين العمل الصحفي و الفن المسرحي، خاصة أن هذا الأخير طالما شكل لفآت واسعة من الجمهور المغربي حينها ورشا ثقافيا لإدراك المعنى المفقود إن صح القول، و التعبير أيضا عن مواقف نضالية معينة، بل وجعل هذا المسرح الذي اعتبر مشاكسا بالنسبة للدولة آنذاك، قاعدة مساهمة في بناء ورش مجتمعي منشود للتنمية( عبد اللطيف ندير و أسماء الرفاعي مديرة مركب كمال الزبدي). و من الواضح هنا أن الصحافة المغربية المكتوبة ظلت تضطلع بدور كبير في هذا السياق، عبر أقلام إعلامية اختارت بحسها النضالي التغلب على عوائق الاشتغال التقني والميداني التي كانت متعددة، من أجل النجاح في التقاط صحفي لأنفاس المسرح المغربي بعدد من المناطق على امتداد ربوع الوطن، و التعريف بها عبر كتابة قراءات صحفية حولها على صفحات عدد من الجرائد المغربية الرائدة حينها بشكل ساهم في التأسيس للمحاولات الأولى لنشوء النقد المسرحي المكتوب كفعل ثقافي ولد أساسا بمداد أقلام صحفية مغربية، بشكل أنتج تقاسما نوعيا و تبادلا نشيطا للإعلام الصحفي و العمل المسرحي كسلطتين للتوجيه المجتمعي إبان نفس الفترة(الطاهر الطويل و الحسين الشعبي و عبد اللطيف ندير). هذا أخذا بعين الاعتبار بطبيعة الحال، المجهود الإعلامي الذي بذل خلال نفس الحقبة لإيصال الصوت المسرحي لشرائح أوسع من الجمهور المتلقي عبر أثير عدد من الإذاعات الجهوية خاصة بمراكش وفاس والرباط و الدار البيضاء، بمساهمة بعض رواد الخشبة ببلادنا آنذاك مثل الراحل حسن الجندي، حتى و إن لم تحظى أغلب هذه التجارب الإعلامية بأي دعم أو احتضان مؤسساتي رسمي حقيقي واضح المعالم ( عبد اللطيف ندير). ظهر في المقابل، أن رصد واقع المسرح المغربي حاليا في ظل ما يفرضه سياق الإعلام الرقمي الجديد من سلطة على التلقي الجماهيري للفعل المسرحي و ما يرسمه ذلك من آفاق للتجاوز قد شكل محورا ثانيا، لنقاشات هذه الندوة الفكرية، حيت تم اعتبار أن الرقميات الجديدة و رغم ما تمنحه من إمكانات هائلة للاتصال و التواصل فإنها لا تزال عاجزة، عن إنتاج مواكبة إعلامية واعية و ذات معنى ثقافي حقيقي إن صح التعبير للمسرح المغربي اليوم تكون في مستوى رصانة وعمق التحليل و المواكبة لما كان ينتج بالأمس على مستوى صحافتنا الوطنية خاصة منها الورقية المكتوبة(الطاهر الطويل)، و هو ما يمكن أن نفسره بالاختيارات القيمية التي تطبع أغلب منصات و صفحات هذا الإعلام البديل، في علاقة بالشكل الجديد للثقافة الجماهيرية السائدة و التي تلعب هذه الوسائط الرقمية دورا كبيرا في صناعتها وسط شرائح من الجمهور المتلقي الحالي و هي ثقافة محركها الأساس هو إنتاج و استهلاك خطاب التفاهة لا أقل ولا أكثر( الحسين الشعبي).

مع العلم أن الإشكال المطروح بالنسبة للبعض هنا، يظل مرتبطا بضرورة انفتاح المسرح المغربي الحالي و استثماره بشكل استراتيجي لما يمكنه هذا الإعلام الرقمي الجديد من مساحات نشيطة من الاتصال مع الجمهور المتلقي( الطاهر الطويل).

وقد رسم هذا الواقع الإعلامي الجديد، في علاقة بالمسرح المغربي مسارات للبحث عن آفاق لاستشراف ممكنات واعدة للتغيير و التأقلم، حيث كانت الدعوات قوية في هذا الباب للفرق المسرحية نفسها لتؤسس داخل هياكلها التنظيمية لحضور المسؤول الإعلامي كمنسق و منشط في نفس الآن للتواصل المرغوب فيه مع وسائل الصحافة و الهيآت المتدخلة في القطاع الثقافي بما يسمح عمليا بتنشيط أشكال من التعاون و العمل المشترك المبني في مستوى آخر على ضرورة خلق مجلس أعلى للثقافة ببلادنا يكون راعيا رسميا لأي مشروع ثقافي كيف ما كانت الأجندات السياسية المتحكمة للحكومات المتعاقبة ونظرتها للثقافة ككل( ندير عبد اللطيف)، رغم ما طرحه البعض من كون المبادرات المدنية للفاعلين ستظل حاجة ملحة لبلوغ مستوى من المواكبة الإعلامية المهنية، خصوصا إذا ما تم فتح أوراش حقيقية داخل المنظومة التعليمية الوطنية تمكن من جعل المسرح المدرسي رافعة تربوية لإعادة إنتاج و ترسيخ ثقافة تلقي ومشاهدة المسرح داخل الأوساط الشعبية بما يتقاطع مع أي مجهود إعلامي مبذول في هذا السياق(الطاهر الطويل).

لا ننسى أن نهاية أشغال هذا اللقاء قد عرفت تفاعلا من طرف بعض الأسماء المنتمية لعالم المسرح والصحافة الثقافة، مع ما جاء في مداخلات المحاضرين خلال الندوة، أمثال الناقدين عبد المجيد شكير و محمد لعزيز و الفنان ياسين أحجام الى جانب الاعلامي والأكاديمي أحمد طنيش، حيث يمكن الوقوف بشكل عام على أبرز النقاط التي طرحت من طرف هؤلاء، والتي تمحورت حول ضرورة تمكين الممارسين اليوم للإعلام الصحفي الثقافي من أدوات مهنية و خلفية تكوينية مسرحية قصد النجاح في إنتاج مواد إعلامية ناطقة بالنفس المسرحي المرصود، مع التشديد على أهمية استثمار ما تمنحه الرقميات الجديدة من ممكنات في تحقيق التواصل الفوري و الواسع مع الجمهور بشرط احترام مبدأ الموضوعية في التناول للمنجزات المسرحية و عدم السقوط نسبيا في منطق المحاباة و الأحكام الذاتية.

 

شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...