مشروع الربط المائي في المغرب.. خطوة حاسمة نحو تحقيق الأمن المائي

تتسارع وثيرة الجهود في المغرب لاستكمال أكبر مشروع مائي في تاريخه، والمتمثل في ربط الأحواض المائية لتصحيح التباين الكبير في توزيع المياه بين السدود، ويأتي هذا المشروع في وقت تتزايد فيه المخاوف من نقص المياه، خصوصًا بعد توالي سنوات الجفاف، وهو ما دفع المغرب إلى التركيز على الحفاظ على كل قطرة ماء في إطار سياسة تضمن استدامة الموارد المائية وتلبية الاحتياجات المتزايدة.

 

حيث تواجه المملكة في السنوات الأخيرة مشكلة كبيرة تتمثل في تباين مستويات المياه في السدود، فتغرق بعض السدود في فيضانات تُجبر السلطات على تفريغ المياه الزائدة، بينما تعاني سدود أخرى من شح شديد يهدد بإمدادات المياه الصالحة للشرب، إضافة إلى تأثيره السلبي على القطاع الزراعي.

على سبيل المثال لا الحصر، فقد سجل سد “الصفيصف” في إقليم فجيج فيضانات متكررة، بينما يواجه سد حوض”أبي رقراق” في الرباط عجزًا ملحوظًا؛ هذا التباين دفع الخبراء إلى التأكيد على ضرورة تسريع تنفيذ مشاريع ربط الأحواض لتصحيح هذا الاختلال وضمان توزيع عادل للمياه على مختلف المناطق.

 

يُعتبر مشروع الربط بين حوضي سبو وأبي رقراق أحد أهم المشاريع الاستراتيجية، حيث سيُمكن من نقل 400 مليون متر مكعب من المياه في مرحلته الأولى، على أن تصل الكمية إلى 800 مليون متر مكعب عند اكتمال المشروع، ولا تقتصر أهمية هذا المشروع على معالجة نقص المياه فحسب، بل تسهم أيضًا في تأمين الإمدادات للمراكز الحضرية الكبرى مثل الرباط والدار البيضاء، التي تشهد نموا سكانيًا متسارعًا.

 

ولعل العامل الرئيسي الذي يعزز أهمية هذا المشروع هو التغير المناخي، إذ شهد المغرب في الأشهر الأخيرة أمطارًا استثنائية، مما أدى إلى كميات هائلة من المياه في بعض المناطق، ولكن بسبب غياب شبكة متكاملة لربط الأحواض، فُقد جزء كبير من هذه المياه، وخصوصًا في المناطق الشرقية بالقرب من الحدود الجزائرية.

 

جدير بالذكر أن هذا المشروع يمثل خطوة محورية في سياسة المغرب لتحقيق الأمن المائي، لكون سد العجز في المياه الصالحة للشرب وري الأراضي الزراعية يُشكل حجر الزاوية لهذه الاستراتيجية، كما أن هذه المشاريع ستُمكن من دعم الزراعة التضامنية في الواحات الجنوبية، والتي تعتمد بشكل كبير على المياه الجوفية، التي تغذيها الأمطار المتقطعة والفيضانات الموسمية.

 

لكن المشروع لم يكن خاليًا من التحديات، إذ تتطلب بعض الأحواض، خاصة في المناطق الجبلية، حفر الأنفاق المائية وبناء الجسور لضمان تدفق المياه بسلاسة من المناطق المرتفعة إلى الأحواض المنخفضة، وبالرغم من التكلفة العالية، إلا أن المغرب يراهن على هذا المشروع كركيزة لتحقيق نهضة مائية شاملة تساهم في تنمية المناطق الداخلية وتقليل الفوارق التنموية بين الجهات.

 

ويرتبط المشروع أيضًا بتغير معادلات الجغرافيا السياسية في المنطقة، خاصة مع اعتماد بعض المناطق الحدودية في الجزائر على المياه القادمة من الأودية المغربية، لذلك استكمال هذه المشاريع سيؤدي تدريجيًا إلى خفض تدفق هذه المياه نحو الأراضي الجزائرية، مما قد يؤثر سلبًا على إمدادات المياه في بعض المدن الحدودية مثل تندوف وبشار، خصوصًا في سنوات الجفاف.

 

إضافة ما سبق، ينظر المغرب إلى هذا المشروع كجزء من رؤيته الشاملة لتحقيق الأمن الغذائي، حيث يُتوقع أن تسهم وفرة المياه في تعزيز الإنتاج الزراعي وتوسيع الرقعة المزروعة، مما يمكّن البلاد من تحقيق اكتفاء ذاتي في بعض المحاصيل الأساسية. ومن هنا، فإن السيطرة على موارد المياه ستصبح سلاحًا استراتيجيًا، يُعزز من موقع المغرب على المستوى الإقليمي، ويدعم سياساته التنموية والاقتصادية.

 

 

المصدر: Alalam24

شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...