إصلاحات تشريعية غير مسبوقة تعيد رسم المشهد السياسي المغربي نحو شفافية ورقمنة المشاركة الديمقراطية

شهد المشهد التشريعي المغربي خلال سنة 2025 إدخال مجموعة من التعديلات القانونية الجوهرية التي مست المنظومة الانتخابية، وتنظيم الأحزاب، وضبط الحملات الانتخابية، إلى جانب تطوير العلاقة بين القضاء الدستوري والمواطنين، وذلك في إطار تحديث شامل يروم تعزيز النزاهة والشفافية والمشاركة السياسية. هذه المشاريع، التي حملت أرقام 55.25 و53.25 و54.25 و35.24 و36.24، تشكل مجتمعةً خطوة استراتيجية نحو ترسيخ الديمقراطية الدستورية وتكييف التشريعات مع التحولات الرقمية والسياسية والاجتماعية للمغرب الحديث.

في ما يتعلق بمشروع القانون رقم 55.25 المتعلق بتغيير وتتميم القانون رقم 57.11 الخاص باللوائح الانتخابية العامة والحملات الانتخابية والاستفتائية، فقد جاء بتعديلات ثورية تجعل البطاقة الوطنية للتعريف الوسيلة الوحيدة للتسجيل في اللوائح الانتخابية، مع فتح المجال للتسجيل الإلكتروني عبر بوابة رقمية تشرف عليها وزارة الداخلية. كما وسّع القانون نطاق التسجيل ليشمل الجماعات أو المقاطعات التي وُلد فيها المواطن أو أحد والديه أو يملك فيها عقارًا أو يزاول بها نشاطًا مهنيًا. وحرص المشرّع على تشديد الشروط المرتبطة بفقدان الأهلية الانتخابية، حيث أضاف لائحة واسعة من الجرائم التي تمنع صاحبها من التصويت أو الترشح، مثل الرشوة، التزوير، استغلال النفوذ، والاتجار بالمخدرات. ومن أبرز مستجداته أيضًا، اعتماد البريد الإلكتروني كوسيلة رسمية للتواصل مع المغاربة المقيمين بالخارج بشأن قرارات التسجيل، مما يعزز الشفافية والسرعة في الإجراءات.

أما مشروع القانون التنظيمي رقم 53.25 الذي يهم تعديل القانون المتعلق بمجلس النواب، فقد أقرّ نقلة نوعية من خلال اعتماد منصة إلكترونية رسمية لإيداع الترشيحات واستقبال الوثائق بدل الإيداع الورقي، ما يسهل العملية ويضمن تتبعًا رقمياً محكمًا. كما شدّد القانون على منع استخدام الذكاء الاصطناعي أو شبكات التواصل الاجتماعي بشكل غير قانوني أثناء الحملات الانتخابية، وفرض عقوبات مالية وجنائية صارمة على كل من ينشر إعلانات انتخابية مدفوعة المصدر الأجنبي أو يستخدم بيانات مزيفة للتأثير في الناخبين. وأكد المشرع على ضرورة تمثيلية النساء والشباب، حيث ربط الاستفادة من الدعم العمومي بمدى التزام اللوائح الانتخابية بترشيح شباب لا يتجاوز عمرهم 35 سنة ونساء في المراتب الأولى. كما منح القانون المحكمة الدستورية صلاحية تجريد أي نائب من عضويته إذا وُضع رهن الاعتقال لمدة تتجاوز ستة أشهر، ما يعكس إرادة واضحة في تعزيز ربط المسؤولية بالمحاسبة.

وفي الجانب الدستوري، جاء مشروع القانون التنظيمي رقم 35.24 ليضع إطارًا دقيقًا لممارسة الحق في الدفع بعدم دستورية القوانين، وهو آلية حديثة تتيح لأي طرف في دعوى قضائية أن يطلب من المحكمة وقف تطبيق نص يرى أنه يمس بحقوقه الدستورية. وينص المشروع على مسطرة واضحة تبدأ من المحاكم العادية مرورًا بمحكمة النقض وصولًا إلى المحكمة الدستورية، في آجال محددة لا تتجاوز 15 يومًا في كل مرحلة. ويُعد هذا الإصلاح خطوة مهمة نحو تعزيز الرقابة المواطِنة على القوانين وضمان احترام الدستور كأعلى مرجعية قانونية في البلاد.

أما مشروع القانون التنظيمي رقم 54.25 المتعلق بتعديل قانون الأحزاب السياسية، فقد ركّز على إعادة ضبط شروط تأسيس الأحزاب وتدبيرها المالي والإداري. أصبح من الضروري أن يكون الأعضاء المؤسسون للحزب موزعين على جميع جهات المملكة بنسبة لا تقل عن 5% من العدد الإجمالي، مع تمثيلية إلزامية للشباب والنساء. كما ألزم القانون بنشر مستخرج رسمي من المؤتمر التأسيسي في الجريدة الرسمية، وسمح للأحزاب بتأسيس شركات خاصة مملوكة لها بالكامل تشتغل في مجالات الإعلام والتواصل الرقمي والطباعة، مما يفتح أمامها موارد مالية جديدة قانونية وشفافة. ومن جهة أخرى، تم تحديث نظام الدعم العمومي بحيث يُشجّع الأحزاب التي ترشّح شبابًا ومغاربة مقيمين بالخارج أو أشخاصًا في وضعية إعاقة، وهو ما يعكس توجهًا نحو تجديد النخب السياسية وتعزيز المشاركة الشاملة.

وفي المجال القضائي الدستوري، أتى مشروع القانون التنظيمي رقم 36.24 ليعزز صلاحيات المحكمة الدستورية ويطور علاقتها بالمؤسسات والمواطنين. فقد نص على نشر قرارات المحكمة إلكترونيًا عبر موقعها الرسمي إلى جانب الجريدة الرسمية، وألزمها بتبليغ قراراتها إلى الجهات المعنية في أجل لا يتجاوز 30 يومًا. كما نظم بدقة حالات شغور المناصب داخل المحكمة، مميزًا بين الوفاة والاستقالة ومبينًا شروط خلافة العضو المنسحب. هذا المشروع يأتي في سياق توطيد الشفافية المؤسسية وإرساء ثقة المواطن في القضاء الدستوري كحارس لعلوية القانون والدستور.

في المجمل، تعكس هذه المشاريع الإصلاحية رؤية شاملة تسعى إلى تحديث المنظومة الانتخابية والمؤسساتية المغربية بما يتماشى مع متطلبات دولة الحق والقانون، عبر دمج الرقمنة في العمليات الانتخابية، وتوسيع المشاركة السياسية، وربط المسؤولية بالمحاسبة، وضمان احترام الدستور في جميع مراحل التشريع والتنفيذ. إنها خطوات متقدمة في مسار الإصلاح الديمقراطي الذي جعل من المغرب نموذجًا في العالم العربي والإفريقي في الجمع بين الاستقرار السياسي والتحديث القانوني المتدرج والمتوازن.

شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...