قراءة في مداخلة الأستاذ عبد الصمد البردعي حول: ” دور النيابة العامة في تنزيل مقتضيات قانون العقوبات البديلة”
في إطار أشغال الندوة العلمية المنعقدة بالمحكمة الابتدائية بالقنيطرة حول القانون رقم 43.22 المتعلق بالعقوبات البديلة، قدّم الأستاذ عبد الصمد البردعي، النائب الأول لوكيل الملك، مداخلة وُصفت بالقيمة، تناول فيها دور النيابة العامة في تنزيل مقتضيات هذا النص التشريعي، مع قراءة تحليلية تجمع بين الإطار النظري والأبعاد العملية.
استهل المتدخل مداخلته بتأطير عام لموضوع العقوبات البديلة، باعتباره مستجدًا تشريعيًا يندرج ضمن تحديث السياسة الجنائية الوطنية، ويمثّل انتقالًا من النظام الثنائي للجزاء (العقوبة والتدابير الوقائية) إلى نظام ثلاثي يضم العقوبات البديلة كخيار ثالث، بما ينسجم مع تطور العدالة الجنائية على المستويين الوطني والدولي.
وانطلق المتحدث من إشكالية مركزية صاغها على النحو التالي: “إلى أي حد يمكن لنظام العقوبات البديلة أن يسهم في أنسنة وترشيد الجزاء الجنائي بالمغرب”؟، مشيرًا إلى ضرورة استحضار السياق التاريخي والتشريعي، انطلاقًا من القانون الجنائي لسنة 1962، وصولًا إلى القانون الجديد رقم 22_43 المتعلق بالعقوبات البديلة.
في محور أول، تناول الأستاذ البردعي مفهوم العقوبات البديلة ونطاق تطبيقها، موضحًا أن الأمر يتعلق بعقوبات بدلية للعقوبات السالبة للحرية، يحكم بها القاضي في قضايا الجنح التي لا تتجاوز العقوبة المحكوم بها من أجلها خمس سنوات، مع استثناء مجموعة من الجرائم التي نص عليها الفصل 35-3 من القانون المذكور، ومن ضمنها الجرائم الإرهابية، الجرائم ضد أمن الدولة، جرائم الرشوة، غسل الأموال، الاتجار بالبشر، والاتجار الدولي في المخدرات.
كما عرض المتحدث أنواع العقوبات البديلة الأربع كما وردت في النص القانوني، وهي:
1. العمل لأجل المنفعة العامة.
2. المراقبة الإلكترونية.
3. تقييد بعض الحقوق أو فرض تدابير علاجية أو رقابية أو تأهيلية.
4. الغرامة اليومية.
وأكد الأستاذ البردعي أن النيابة العامة تضطلع بدور مهم في تفعيل مقتضيات هذا القانون، سواء في مرحلة ما قبل المحاكمة، عبر إجراء الأبحاث الاجتماعية بالتنسيق مع الشرطة القضائية من جهة، أو خلال أطوار المحاكمة وما بعدها (التنفيذ) من جهة ثانية ، خصوصًا في الشق المتعلق بإجراء البحوث الاجتماعية سواء القبلية خلال مرحلة البحث والتحري ، أو البعدية بناء على أمر من المحكمة خلال أطوار هذه الأخيرة ، أو ما يتعلق بمؤسسة رد الاعتبار، التي قد تفتح المجال أمام المحكوم عليهم للاستفادة من هذا النظام البديل الذي قلص مدة الاستفاذة منه.
وفي الشق المتعلق بالمرتكزات القانونية التي يستند إليها القانون 43.22، أشار المتدخل إلى الروافد الدولية والوطنية التي شكلت خلفية لاعتماد نظام العقوبات البديلة، من بينها قواعد طوكيو، بيجين، بانكوك، وقواعد نيلسون مانديلا، فضلًا عن الروافد الوطنية ، منها توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، والمضامين الدستورية لسنة 2011، والخطب الملكية، وعلى رأسها خطاب سنة 2009 الذي دعى من خلاله صاحب الجلالة نصره الله وأيده “إلى إحداث مرصد وطني للإجرام والأخد ببدائل العقاب وتفعيل العقوبات البديلة …” بهدف تحديث العدالة الجنائية.
وتوقف الأستاذ عبد الصمد البردعي عند الآليات التي تعتمدها النيابة العامة للتنزيل الأمثل للقانون المذكور، من خلال العديد من الملتمسات التي يمكن أن تقدمها النيابة العامة سواء أمام قضاء الحكم أو أمام قاضي تطبيق العقوبة بهدف التنزيل الأمثل لنظام العقوبات البديلة ، مشددًا على أهمية توفير الآليات المؤسساتية واللوجستيكية، واقترح في هذا الإطار:
إحداث أقسام متخصصة لقضاء تطبيق العقوبة تتوفر على كتابة للضبط وأطر وموظفين ونيابة عامة تعمل الى جانبه.
توفير الموارد البشرية المؤهلة.
ضمان تتبع فعّال لتنفيذ العقوبات البديلة، خصوصًا في ما يتعلق بالسوار الإلكتروني والمراقبة الالكترونية .
دعم التكوين والتوعية القانونية في أوساط المتدخلين في العدالة.
كما أشار المتحدث إلى عدد من التحديات الواقعية التي تواجه هذا الورش، من بينها ارتفاع تكاليف التنفيذ، وضرورة تأهيل المجتمع لتقبل نماذج العقوبة البديلة مثل العمل لأجل المنفعة العامة، فضلًا عن الحاجة إلى تبسيط روح النص القانوني وتيسير فهمه لدى الفاعلين في الحقل القضائي.
وختم الأستاذ عبد الصمد البردعي مداخلته بالتأكيد على أن نجاح هذا القانون في تحقيق أهدافه رهين بفعالية التنزيل، والتفاعل الإيجابي لجميع المتدخلين في منظومة العدالة، وعلى رأسهم قضاة الحكم و قضاة تطبيق العقوبة وقضاة النيابة العامة وهيئة الدفاع ، مؤكدًا أن هذا الورش يُعد محطة أساسية في اتجاه أنسنة السياسة الجنائية وترشيد العقاب ومنح المدان ما يسمى بالفرصة الثانية .