بقام: فاطمة الزهراء بنيائي
الخبرة والخبراء وعلاقتهم بصناعة القرار : مقاربة سوسيولوجية
تعد الخبرة عنصراً محورياً في الحياة الاجتماعية المعاصرة، حيث بات الخبراء يحتلون مكانة متقدمة في عملية صناعة القرار، سواء في المجالات السياسية أو الاقتصادية أو الصحية أو البيئية. ومن منظور سوسيولوجي، يمكن القول إن المجتمع الحديث يتسم بتعقيد كبير، ما يجعل من الاعتماد على الخبراء مسألة ضرورية، لكنه في الوقت نفسه يثير تساؤلات حول شرعية المعرفة الخبروية، وحدود تأثيرها، وموقعها ضمن توازن القوى الاجتماعية
أولاً: مفهوم الخبرة والخبراء
الخبرة تشير إلى المعرفة المتخصصة التي يكتسبها الفرد من خلال التعليم، والممارسة والتجريب في مجال معين. أما الخبير فهو الشخص الذي يعترف بامتلاكه لهذه المعرفة ويطلب رأيه في قضايا دقيقة تتطلب مهارات خاصة لا يمتلكها عامة الناس. بحسب بيير بورديو، فإن الخبير يتمتع بـ “رأسمال ثقافي” يمنحه سلطة في الحقل الذي ينتمي إليه، ما يسمح له بالتدخل في دوائر القرار.
ثانياً: دور الخبراء في صناعة القرار
في المجتمعات الحديثة، لم يعد القرار يعتمد فقط على الإرادة السياسية أو الشعبية، بل أصبحيتطلب معرفة تقنية وتحليل علمي للمعطيات فصانعو القرار السياسيون والاقتصاديون يعتمدون على تقارير ومشورات الخبراء لتبرير سياساتهم، سواء تعلق الأمر بالتخطيط الحضري، أو إدارة الأزمات، أو السياسات الصحية كما تجلى أثناء جائحة كورونا.
ومع ذلك، لا يتم اتخاذ القرارات دائما بناء فقط على الحقائق العلمية، بل يتم “تسييس” الخبرة في أحيان كثيرة. يشير ميشيل فوكو إلى أن المعرفة ليست محايدة، بل هي مرتبطة بمواقع القوة، وهو ما يجعل من الخبير ليس فقط ناقلاً للمعرفة، بل طرفاً في الصراع حول الهيمئة وتوجيه الخيارات العامة.
ثالثاً: إشكاليات الثقة والشرعية
تواجه العلاقة بين الخبراء وصناع القرار تحديات تتعلق بالثقة والشرعية. فمع تزايد تعقيد القرارات، يصبح من الصعب على المواطن العادي تقييم مواقف الخبراء، مما يؤدي إلى نوع من التبعية المعرفية. ومن جهة أخرى، قد يؤدي تضارب المصالح، أو “خصخصة” الخبرة ) عبر مؤسسات خاصة أو مراكز أبحاث ممولة ( إلى التشكيك في حياد الخبراء. هذا ما دفع يورغن هابرماس إلى التأكيد على ضرورة إخضاع الخطاب الخبروي للنقاش العمومي، ضمن نموذج الفعل التواصلي”، لضمان شفافية وشرعية القرارات.
رابعاً: نحو دمقرطة الخبرة ؟
ظهرت في العقود الأخيرة دعوات لدمقرطة صناعة القرار، عبر إشراك المواطنين ، وممثلي المجتمع المدني، وحتى ما يعرف بـ الخبراء التجريبيين ( كالأشخاص الذين يملكون خبرة معيشة، مثل مرضى المرض مزمن أو سكان مناطق ملوثة . وقد ساهم ذلك في توسيع مفهوم الخبرة وتحريره من الاحتكار المؤسساتي، لكنه طرح أيضا تحديات في التوفيق بين المعرفة العلمية والخبرة الشخصية.
خاتمة
تلعب الخبرة دوراً محورياً في توجيه القرارات في المجتمعات المعاصرة، لكن الاعتماد المتزايد على الخبراء يطرح أسئلة حول شرعية المعرفة، وحدود تأثيرها، وأثرها على الديمقراطية. من هنا تبرز الحاجة إلى خلق توازن بين سلطة الخبرة ومبدأ المشاركة المجتمعية، لضمان قرارات فعالة، شفافة، وعادلة.