كلاب الشرطة المدربة.. حلفاء صامتون في معركة الأمن

عندما تنطلق في أداء مهامها، لا تحتاج كلاب الشرطة المدربة إلى أوامر معقدة، بل تكفي إشارة واحدة من مروضها لتبدأ العمل بدقة وكفاءة مذهلة تفوق التوقعات، إنهم كلاب الشرطة المدربة، الحلفاء الصامتون الذين أصبحوا جزءًا لا يتجزأ من المنظومة الأمنية، يعملون بلا كلل، ويضعون حياتهم على المحك لضمان الأمن والاستقرار.

تلعب الكلاب المدربة دورًا أساسيا، بدءًا من كشف المخد..را..ت والأ..سل..حة، وصولًا إلى البحث عن المفقودين والجثث، وحتى التحقق من الأوراق المالية المزورة.

وفي المراكز الحدودية، تكون هذه الكلاب خط الدفاع الأول، حيث تشمّ أي محاولة تهر..يب قبل أن يتمكن المجر..مون من تنفيذ مخططاتهم، لكن مهامها لا تقتصر على المعابر والمطارات فقط، بل تمتد إلى المناطق المنكوبة أثناء الزلازل والفيضانات، حيث تساعد في البحث عن الناجين والمفقو..د..ين بين الأنقاض، محققة بذلك إنجازات لا تستطيع حتى التكنولوجيا المتطورة مجاراتها.

ولم يكن استخدام الكلاب في العمل الأمني فكرة حديثة، فقد بدأ اعتمادها رسميًا منذ عام 1956، حيث تم استغلالها لأول مرة في فرق التدخل بالمراكز الحدودية، لا سيما في مطاري الدار البيضاء ومراكش.

فعلى مر السنين، شهد هذا التخصص تطورًا لافتًا، إذ تم إنشاء المركز الوطني لترويض الكلاب في الرباط عام 1992، ليتحول لاحقًا إلى قسم مركزي تابع للشرطة القضائية في عام 2016، هذا التحول لم يكن مجرد تغيير إداري، بل ترافق مع استثمارات ضخمة في تدريب الفرق، توسيع نطاق استخدام الكلاب إلى مجالات جديدة مثل البحث عن البقايا البشرية، وكشف المخد..ر..ات التركيبية، وحتى المساهمة في العمليات الخاصة لمكافحة الإ..ر..ها..ب.

اليوم، تضم الشرطة المغربية 377 كلبًا مدربًا على تسع تخصصات مختلفة، يديرها 574 موظفًا متخصصًا، من بينهم بيطريون وتقنيون يعملون على تطوير قدراتهم وتحسين أدائهم، أما عن برامج التدريب فهي ليست عادية، بل تشمل محاكاة سيناريوهات أمنية معقدة، وتستعين بأحدث التقنيات لضمان تحقيق أعلى مستويات الفعالية.

الكلاب المدربة ليست مجرد أدوات مساعدة، بل باتت جزءًا من فرق التدخل في الأزمات، تدخل أولًا إلى مسارح الجرا..ئم المشتبه بوجود محظورات فيها، تفتش المكان، وتقلل من المخاطر قبل أن يتقدم أفراد الأمن.

وراء كل كلب مدرب، يقف رجل أمن يسهر على تدريبه ويعتني به، ويشاركه مواقف لا تُنسى في ساحات العمل، هذه العلاقة تتجاوز مجرد تنفيذ الأوامر، إذ تصبح رابطة عاطفية قوية، تجعل الكلب مستعدًا للتضحية بحياته من أجل مروضه.

حارس الأمن مصطفى، أحد السينوتقنيين في ميناء طنجة المتوسط، يروي قصة كلبه “سيودا” الذي ساهم في إحباط عدة محاولات تهر..يب، أبرزها كشف 130 كيلوغرامًا من الشيرا كانت مخبأة داخل أمتعة زوجين متقدمين في السن.

ومع تزايد التحديات الأمنية، تخطط المديرية العامة للأمن الوطني لتوسيع فرق الكلاب المدربة لتشمل مراكز حضرية جديدة، وزيادة أعداد المتخصصين في هذا المجال، وضمان جاهزيتهم لتأمين التظاهرات الكبرى التي ستحتضنها المملكة مستقبلاً.

في النهاية، تظل هذه الكلاب جنودًا صامتة في معركة الأمن، لا تطلب مقابلًا سوى القليل من العناية، والتقدير الذي تستحقه نظير تضحياتها اليومية في حماية الأوطان.

شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...