عواطف حيار تستعرض الدور المركزي للأسرة في مؤتمر الدوحة لحوار الأديان

في إطار مشاركتها في المؤتمر الدوحة الخامس عشر لحوار الأديان، ألقت السيدة عواطف حيار، وزيرة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، تحت شعار “التكامل الأسري – دين وقيم وتربية” كلمتها  والتي جاء فيها؛

 

حضرات السيدات والسادة،

•أودّ أن أعبّر عن خالص شكري لدولة قطر ولرئيس المركز الدولي لحوار الاديان الدكتور ابراهيم بن صالح النعيمي على دعوة المملكة المغربية لحضور هذا المؤتمر الهامّ حول حوار الأديان تحت شعار ” التكامل الاسري- دين وقيم وتربية “، والذي يعد مناسبة مهمة لنا جميعًا للتفكير والتأمل في قيم السلام والتعايش السلمي بين مختلف الأديان والثقافات.

• إنّ هذا الموضوع يكتسي أهمية بالغة في عالمنا اليوم، حيث تتزايد التحديات والصراعات التي تواجهنا، ونحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى تعزيز التفاهم والتسامح بين مختلف الأديان والثقافات لاعتبارات متعددة أهمها أن حوار الأديان هو جسر للأمان والتعايش، يعزز السلام والتفاهم، ويشمل القضايا الاجتماعية وحقوق الإنسان والبيئة ومجالات اخرى.

• وللأسرة دور محوري في هذا الشأن: فهي البيئة التربوية الفريدة التي تجمع بين توفير الود والدعم والتوجيه لأفرادها وبين التربية على مهارات التفاعل اليومي والتعليم العملي، الذي يزود الأفراد بالمهارات الحياتية والقيم الوطنية التي تساعد في التكيف مع مختلف تحديات الحياة والقدرة على مواجهتها. حيث أن دور الأسرة في تربية الأجيال الجديدة ونقل القيم الأساسية أصبح أساسيا أكثر من أي وقت مضى اخذا بعين الاعتبارات التحديات القيمية التي تواجهها لبناء مجتمعات سليمة ومتطورة يسود فيها التعاون والحوار و مقومات العيش المشترك والقدرة على التطور مع ضمان الاستقرار.

 

 

حضرات السيدات والسادة

• تأكيدًا على إرثها الغني بالتنوع الثقافي والديني، تحرص المملكة المغربية، تحت القيادة الحكيمة لأمير المؤمنين، حفيد النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، الملك محمد السادس نصره الله، لتظل رمزًا للتعايش السلمي بين معتنقي الديانات السماوية على أراضيها. هذا الاهتمام والحرص يجسده التزامها العميق بالأخوة والسلام بين كل الدول والشعوب،

لقد تعددت آليات انخراط المغرب في تشجيع الحوار بين الأديان، ومنذ القدم حيث كانت ولازالت جامعة القرويين التي تأسست سنة 859 ميلادية أقدم جامعة في العالم مازالت قائمة حتى الان والتي كانت ولازالت تستقبل طالبي العلم من كل أنحاء العالم ومن كل الديانات

 

 

كما كان المغرب اول دولة اسلامية يزورها قداسة البابا يوحنا بولس الثاني سنة 1985 حيث استقبله المغفور له جلالة الملك الحسن الثاني استقبالا تاريخيا يليق بمقامه

وبعد أربعة وثلاثين عاما على هذه الزيارة التاريخية، استقبل صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله،فيمارس سنة 2019، قداسة البابا فرنسيس الاول

 

 

وكذا إعلان مراكش لحقوق الأقليات الدينية في العالم الإسلامي الصادر في ختام مؤتمر “الأقليات الدينية في الديارالإسلامية، الإطار الشرعي والدعوة إلى المبادرة”، في يناير 2016.

بالاضافة لعدد كبير من المؤتمرات والندوات حول التعايش بين الاديان التي تنظمها بلادنا سنويا

كما توكد جل الخطب الملكية السامية على اهمية الاسرة حيث قال جلالته في خطابه السامي يوم 10 أكتوبر 2023 أمام البرلمان: “إن الأسرة هي الخلية الأساسية للمجتمع، حسب الدستور، لذا نحرص على توفير أسباب تماسكها. فالمجتمع لن يكون صالحا، إلا بصلاحها توازنها. وإذا تفككت الأسرة يفقد المجتمع البوصلة. لذا، ما فتئنا نعمل على تحصينها بالمشاريع والإصلاحات الكبرى. ومن بينها ورش تعميم الحماية الاجتماعية، الذي نعتبره دعامة أساسية، لنموذجنا الاجتماعي والتنموي” انتهى مقتطف الخطاب الملكي

 

 

كمايؤكد دستور المملكة المغربية الغني بحمولته الحقوقية والقيمية على أن :

“المملكة المغربية دولة ذات سيادة كاملة، متشبتة بوحدتها الوطنية والترابية، وبصيانة تلاحم مقومات هويتها الوطنية، الموحدة بانصهار كل مكوناتها، العربية الاسلامية، والأمازيغية، والصحراوية الحسانية، والغنية بروافدها الإفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية”

، كما اعتبر دستور المملكة “الأسرة القائمة على علاقة الزواج الشرعي هي الخلية الأساسية للمجتمع.

تعمل الدولة على ضمان الحماية الحقوقية والاجتماعية والاقتصادية للأسرة، بمقتضى القانون، بما يضمن وحدتها واستقرارها والمحافظة عليها.

تسعى الدولة لتوفير الحماية القانونية، والاعتبار الاجتماعي والمعنوي لجميع الأطفال، بكيفية متساوية، بصرف النظر عن وضعيتهم العائلية ”

 

 

• إن هذه الأهمية يصونها الدستور المغربي، ويعززها النموذج التنموي الجديد والنموذج الديني المغربي، الذي يقوم على إمارة المؤمنين باعتبارها حامية لحمى الملة والدين، والضامنة لحرية ممارسة الشؤون الدينية، ورعاية سلامة هذه الممارسة.

• وتحرص المملكة المغربية على أن تظل نموذجًا للدولة التي يتعايش على أرضها، في أخوة وأمان، معتنقو الديانات السماوية، وذلك وفاء منها لتاريخها العريق في التنوع والتعددية الدينية والثقافية التي ميزت الكيان المغربي منذ قُرون.

حضرات السيدات والسادة،

• باعتبار التحولات الاجتماعية نتيجة طبيعية لسيرورة تطور المجتمع، وآليات عيشه، لا يمكن أن تبقى بعض المفاهيم المجتمعية جامدة، لكون ضمان استمراريتها رهين بدرجة انخراطها “الطبيعي” في مسار تحولات تخص كافة مكونات المجتمع.

ولا يجب أن نعتبر التطور في حد ذاته تهديدا لأي منظومة طبيعتها الأولى هي التطور، بل هي نفسها جزء من سيرورة طبيعية، قد تحدث بالفعل تطورات وتحولات جدرية في تركيبة الأسرة وفي منظومتها القيمية خاصة في عالم يعرف تطورا كبيرا للتكنولوجيا الحديثة وخاصة الذكاء الاصطناعي وكل الافاق التي يفتحها.

لكن وجب، بالموازاة، تعزيز صموددها، بارتكازها على منظومتها القيمية والدينية، لتمكينها من القدرة على تأقلمها كي تساير تطورات محيطها مع ضمان استقرارها، ولتعيش كل سياق بمعطياته، التي هي نفسها مشاركة رئيسية في بلورته بدرجة ما ومساهمة في اغنائه. وهكذا يكون تفاعلها ايجابيا يضمن استقرارها على مبادئها مع المساهمة في اغناء منظومتها القيمية بشكل يساير المنظومة الكونية لكن مع الحفاظ على هويتها وخصوصياتها

.

• من هذا المنظور، باشر المغرب، بقيادة أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، بإطلاق أوراش كبرى في مجال إصلاح التنمية السياسية والسوسيو-اقتصادية الشاملة، بما في ذلك المبادرة الوطنية للتنمية البشرية سنة 2005 حيث استفادت ملايين الاسر من الدعم المالي لتطوير مشاريع اقتصادية لمحاربة هشاشتها ، وورش الحماية الاجتماعية الذي يوفر التغطية الصحية لجميع المغاربة والدعم المالي المباشر ل مليونين ونصف من الأسر المعوزة، بهدف تعزيز التماسك الاجتماعي، ومحاربة الهشاشة، مما يساهم في قطع الطريق على كل محاولات الاستقطاب في أعمال معادية للسلم والسلام.

كما أطلق صاحب الجلالة أمير المؤمنين في سنة 2022 ورش مراجعة مدونة الأسرة لتجاوز الاختلالات التطبيقية التي عرفها تنزيل مدونة 2004 خلال السنوات الماضية ولتعزيز التوازن داخل الأسرة بين الرجل والمرأة في احترام تام لمقاصد الشريعة الإسلامية والاجتهاد المنفتح تنفيذا لتوجيهات أمير المؤمنين حفظه الله وفق مقاربة تشاركية واسعة مع مختلف مكونات المجتمع المغربي.

كما اطلقت الحكومة المغربية، تنفيذا للتوجيهات الملكية السامية، عدة برامج وسياسات عمومية للنهوض بأوضاع الأسر وبحقوق الأفراد داخل الأسرة، و تحقيق المساواة والتوازن بين الجنسين منها برنامج جسر الاسرة الذي يوفر التأهيل للمقبلين على الزواج والإرشاد الأسري والتربية الوالدية والوساطة الأسرية لتعزيز صمود الأسرة والتقليل من نسبة الطلاق.

حضرات السيدات والسادة،

• إننا نحتاج إلى القيم الدينية والكونية المشتركة، لا في سماحتها وحسب، بل في استمداد طاقتها من أجل البناء المتجدد للإنسان وقدرتها على التعبئة من أجل حياة خالية من الحروب والجشع، ومن نزعات التطرف والحقد، حيث تتضاءل فيها آلام البشرية وأزماتها تمهيدا للقضاء على مخاوف الصراع بين الأديان.

• وأستغل هذه المناسبة لأذكر بما تفضل به صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله في الخطاب الموجه للقمة الـ15 لمنظمة التعاون الإسلامي التي نظمت بالعاصمة الغامبية بانجول في 4 ماي 2024 تحت شعار ” تعزيز الوحدة والتضامن من خلال الحوار من أجل التنمية المستدامة “. حيث قال جلالته” لا يخفى عليكم أن مظاهر التعصب والتمييز، ونزعات التطرف والانغلاق ورفض الآخر، أضحت متفشية في أوساط رافضة لكل ما له صلة بالأديان السماوية، لاسيما رسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. ويساورنا قلق بالغ إزاء تصاعد خطاب الكراهية، وارتفاع ضحايا هذه الآفة التي تغذي دوامة العنف وعدم الاستقرار، وتشكل تهديدا خطيرا للسلم والأمن في العديد من المناطق”

• كما أضاف جلالته ” إن قلوبنا تدمي لوقع العدوان الغاشم على غزة، الذي جعل الشعب الفلسطيني الأبي يعيش أوضاعا بالغة الخطورة، تشكل وصمة عار على جبين الإنسانية. ومما يزيد من تفاقم هذه الأوضاع، ارتفاع وتيرة الاعتداءات الممنهجة من طرف المستوطنين المتطرفين في الضفة الغربية، بإيعاز من مسؤولين حكوميين إسرائيليين. ومن منطلق مسؤولياتنا كعاهل للمملكة المغربية، التواق شعبها للحق والعدل والتضامن والتعايش مع الشعوب الأخرى، وبصفتنا رئيسا للجنة القدس، فإننا نكرر بإلحاح، مطلبنا بضرورة الوقف الفوري والمستدام والشامل لهذا العدوان غير المسبوق، والسماح بتدفق المساعدات الإنسانية في قطاع غزة بأكمله”

• ويضيف جلالته” ندعو الدول المؤثرة في مسار تسوية هذا النزاع إلى تحمل مسؤوليتها التاريخية، وإعمال العقل والمنطق، والعمل الجاد من أجل وضع حد لهذا الوضع الكارثي، وإخراج المنطقة من دوامة العنف، وسياسة الإقصاء وفرض الأمر الواقع، والعمل على تهيئة الظروف الملائمة لإعادة إطلاق عملية سلمية حقيقية، تفضي إلى حل الدولتين المتوافق عليه دوليا. ”

• في الختام، أشكركم جميعًا على مشاركتكم ومساهماتكم في هذا المؤتمر الهام، وعلى جهودكم في تعزيز حوار الأديان وبناء مجتمعات تسودها قيم السلام والتسامح. يجب أن نؤمن جميعا بأن التضامن والتعاون بين الأديان هو مفتاح لمستقبل أفضل لنا جميعًا.

جريدة إلكترونية مغربية

 

 

 

 

 

 

شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...