الكاتب: رضوان الله العطلاتي
شهدت مدن مغربية متعددة خلال الأيام الأخيرة وقفات سلمية دعا إليها شباب جيل “Gen Z 212″، أثارت نقاشًا واسعًا حول خلفياتها وأبعادها، غير أن جوهر هذه المبادرات لم يكن موجها ضد الدولة أو الملكية، بل حمل رسالة واضحة مفادها أن الشباب يطالبون بإصلاح حقيقي في قطاعي الصحة والتعليم، باعتبارهما ركيزتين أساسيتين لأي تنمية وطنية.
المطالب لم تنطلق من فراغ، بل من واقع يعيشه المواطنون يوميًا داخل المستشفيات حيث سجلت وفيات مأساوية لنساء حوامل ومرضى لم يجدوا الدواء أو العناية الطبية اللازمة، ما خلف صدمة كبيرة وأثار تضامنًا شعبيًا واسعًا. التعليم بدوره يعيش اختلالات بنيوية عميقة، من ضعف البنية التحتية إلى قلة الموارد البشرية، وهو ما جعل الأسر المغربية تشعر بالقلق على مستقبل أبنائها. هذه التراكمات ولّدت إحساسًا عامًا بضرورة المحاسبة قبل الإصلاح، حتى لا يبقى الخلل قائمًا ويتكرر في نفس الدوامة.
الوقفات التي نظمتها هذه الفئة من الشباب كانت سلمية وحضارية، حيث لم تُرفع شعارات معادية ولم تُمارس أي أشكال عنف، بل كانت الغاية إيصال صوت المواطنين بشكل منظم ومسؤول. ورغم تسجيل بعض الاعتقالات في صفوف المشاركين، شدد القائمون على المبادرة على تمسكهم بالمسار السلمي ورفضهم لأي انزلاق، مؤكدين احترامهم للدستور المغربي الذي يضمن الحق في التظاهر السلمي والتعبير عن الرأي.
المحتجون حرصوا أيضًا على نفي الشائعات التي حاولت إلصاق تحركهم بأي أجندة ضد الملكية، حيث شددوا على أن الجميع ملتف حول المؤسسة الملكية باعتبارها الضامن لوحدة الوطن واستقراره. فالمطلب الأساسي لم يتجاوز تحسين الخدمات الصحية والتعليمية وضمان كرامة المواطن.
وفي مقابل ذلك، سقطت رهانات بعض الجهات التي حاولت الركوب على الموجة واستغلال هذه التحركات لأغراض أخرى، إذ سرعان ما فشل مخططها أمام وعي الشعب المغربي وتمسكه بثوابته الوطنية، فالمغرب سيظل بلدًا آمنًا ومستقرًا، لأن شعبه يحب ملكه ووطنه، ولا عزاء للحاقدين.
ومن المهم التنبيه إلى أن بعض الحملات التي ظهرت على مواقع التواصل الاجتماعي حاولت زرع الكراهية بين الشعب وأجهزته الأمنية، عبر التحريض ضد الشرطة ورجال الأمن. غير أن هذه المحاولات لا يمكن أن تجد لها مكانًا، لأن الأمن بدوره جزء لا يتجزأ من هذا الشعب، يعيش نفس الضغوط اليومية ويتقاسم هموم الحياة مع باقي المواطنين. ومن الخطأ تحويل المطالب المشروعة إلى صدام داخلي أو ترك المجال لمن يسعى إلى دس السم في العسل وتحريف المسار عن سكته الطبيعية.
إن ما جرى في نهاية المطاف لم يكن سوى تعبير حضاري عن وعي جيل جديد يرى أن المغرب يستحق الأفضل، ورسالة مباشرة إلى الحكومة بضرورة وضع الصحة والتعليم في صدارة الأولويات. هذه المطالب تنسجم بشكل كامل مع التوجيهات الملكية المتكررة التي جعلت من إصلاح المنظومتين الصحية والتعليمية مدخلًا أساسيًا لتحقيق العدالة الاجتماعية وضمان كرامة المواطن، بما يرسخ استقرار الوطن ويعزز مسيرته التنموية تحت القيادة الحكيمة للملك محمد السادس.
