في خطوة جريئة تعكس حسًا مهنيًا عاليًا ومسؤولية وطنية متجذرة، دشّنت رابطة المهندسين المعماريين الاستقلاليين برنامج أنشطتها لسنة 2025، التي أعلنتها “سنة التطوع”، بتنظيم يوم دراسي وازن حول موضوع طالما شغل المهنيين والفاعلين الترابيين: “السياسة التعميرية بالمغرب بين دينامية التوسع الحضري ورهانات حماية الأراضي الفلاحية”، وذلك يوم فاتح يوليوز 2025، بمقر حزب الاستقلال بالرباط.
وقد شكّل هذا اليوم الدراسي لحظة تأمل وتفكير جماعي، تميز بتنوع مداخلاته وعمق محتواه، حيث أتى ليُقارب معضلة التوسع الحضري غير المنضبط، في علاقته بالتهديدات التي تلاحق الرصيد العقاري الفلاحي، في ظل الحاجة إلى خلق توازن مستدام بين التنمية الحضرية وضمان الأمن الغذائي وحماية المجال.
افتُتح اللقاء بكلمة شاملة للمهندس المعماري أحمد لهلالي، عضو المكتب التنفيذي للرابطة، سلط فيها الضوء على الخلفيات والسياقات التي دعت إلى إثارة الموضوع، قبل أن تتوالى العروض الإيضاحية التي قدّمتها كل من المهندسة ناهد حمتامي، والأستاذين عبد الواحد الإدريسي وإبراهيم الگعبوري، حيث أضاءت هذه المساهمات العلمية جوانب متعددة من الإشكالية، بطرحها لتحليلات دقيقة، وتقديمها لحلول مبتكرة قابلة للتنزيل.
ولعل أبرز ما ميز مداولات هذا اللقاء، هو الانتقال من مجرد التشخيص إلى مقترحات عملية ورؤية متكاملة، لعل من أهمها:
اعتماد حكامة ترابية تزاوج بين التخطيط الحضري والفلاحي وتضمن التوازن في القرارات المجالية؛
تبني مبادئ التخطيط التشاركي وتعزيز الذكاء المجالي كرافعة للتنمية المستدامة؛
إرساء بنية تحتية بيئية تحترم التنوع البيولوجي وتحسن إطار العيش؛
سنّ قوانين ملائمة للمجالات القروية، تشجع الاستخدام العقلاني للموارد؛
بلورة خرائط للمجالات الفلاحية تحصنها من الزحف العمراني العشوائي؛
إدماج التقنيات الرقمية ونمذجة البيانات في التعمير والتحيين القانوني؛
توحيد القوانين وتبسيط المساطر المتعلقة بالقسمة العقارية والإراثة؛
مراجعة ظهير ضم الأراضي لسنة 1962 وتحيين منظومته لتكون أكثر نجاعة وعدلاً؛
دعم دور القضاء في مراقبة التعمير وحماية العقار الفلاحي؛
العمل على إحداث شهادة إدارية موحدة وضبط معايير مرجعية ملزمة؛
توجيه الاهتمام نحو مشاريع ضم الأراضي الفلاحية ومواكبة تنفيذها.
لقد أثبتت مضامين هذا اللقاء أن المهندس المعماري اليوم لم يعد مجرد مصمم للمباني، بل أصبح فاعلًا محوريًا في التخطيط الترابي، وحارسًا للتوازن بين الحاجة إلى التوسع الحضري وحتمية صون الأراضي الفلاحية. إن دوره يتجاوز البُعد التقني ليصبح شريكًا في التنمية، وضامنًا لجودة الحياة والعدالة المجالية.
وقد مرت أشغال اليوم الدراسي في أجواء تواصلية مثمرة، ساهمت فيها نخبة من المهنيين والمختصين بطرحهم البناء، ما يعكس وعيًا متزايدًا لدى المهندسين المعماريين بأهمية الاضطلاع بأدوارهم التوجيهية والتقنية، في زمن لم يعد فيه التخطيط مسألة إدارية فقط، بل رهان وطني يرتبط بالأمن المجالي والبيئي.
وهكذا، تفتتح رابطة المهندسين المعماريين الاستقلاليين سنة 2025 بخطوة نوعية، تؤكد أن المعركة من أجل تعمير متوازن وعقلاني، هو خيار استراتيجي، لا يحتمل التأجيل ولا التهاون، وأن صوت المهندس سيكون حاضرًا بقوة في صياغة مغرب الغد، حيث لا تنمية حضرية دون حماية واعية ومستدامة للأراضي الفلاحية.