الكاتب: رضوان الله العطلاتي
حين تتحول الأزقة إلى ساحات مواجهات، وتصبح الشوارع ممرات لبث للخوف فى نفوس المارة، لا يكون الأمن وحده المعني بفرض النظام، بل يصبح المجتمع كله على المحك، ففي منطقة أولاد عرفة بالقنيطرة، لم يكن التدخل الأمني مجرد رد فعل، بل خطوة حاسمة أعادت التوازن إلى مشهد كاد أن ينفلت، أكثر من 50 معتقلًا سقطوا في قبضة رجال الأمن، فيما الدوريات لازالت تجوب المكان بقوة، تراقب، تتدخل، وتعيد فرض هيبة الدولة، لكن بين الأزقة التي عادت سريعا للهدوء، وأسوار البيوت التي تحجب وراءها فصولًا أخرى من الإهمال، يتردد السؤال: هل يمكن حقًا القضاء على الجريمة دون معالجة أسبابها؟
لا يمكن إنكار أن المشهد الأمني كان حازمًا وفعالًا، لكن هل هذا كافٍ؟ هل يكفي القبض على العشرات لنقول إن الأمن تحقق؟ أم أن هذه الحملة رغم نجاحها، ليست سوى مسكن مؤقت طالما أن الخلل الحقيقي ينمو في الظل؟ فالذين حملوا السلاح الأبيض في الشوارع، ورشقوا بالحجارة، لم يأتوا من العدم، هؤلاء نشأوا في بيوت، غادروا المدارس، واحتضنتهم الأزقة التي لم تعلمهم سوى قانون الغاب، إنهم في نهاية المطاف أبناء مجتمع اختار أن يغلق عينيه.
في قلب هذه الفوضى، هناك آباء فضلوا الصمت، وأمهات لم يسألْنَ أين يبيت أبناؤهن، ومدارس لم تعد تغرس في تلاميذها سوى الأرقام في كشوف التنقيط، دون أن تسأل كيف يفكرون وإلى أين يتجهون، فإذا كان رجال الأمن يسهرون على حماية الشوارع، فمن يحمي هؤلاء الأطفال من أن يصبحوا وقودًا لجريمة لا تنتهي؟ إن بناء مجتمع آمن لا يبدأ من دوريات أمنية، بل من بيت يربي ومدرسة تصنع جيلًا مسؤولًا وشارع لا يفسد ما بُني في الداخل.
إن المعركة ليست فقط بين الأمن والمجرمين، بل بين وعي يحاول أن ينتصر، ولا مبالاة تتوسع يومًا بعد يوم. وإذا لم يدرك الجميع أن المسؤولية جماعية، فإن الدوريات الأمنية، مهما كانت يقظتها، ستبقى مجرد مسكن مؤقت في مدينة تنام على نار الإهمال وتستيقظ على رمادها.