لغة تدريس العلوم ..و تكوين الموارد البشرية المؤهلة

العالم24 يتطلب تحقيق هدف خلق مقاولات مغربية قادرة على مسايرة واقع العولمة رفع تحديات مهمة وحاسمة، تأتي في مقدمتها ضرورة إرساء منظومة تعليمية جيدة تساير واقع سوق الشغل واقتصاد المعرفة، ما يستدعي الحسم في إشكالية لغة تدريس العلوم التي تعد جزء لا يتجزأ من المعادلة.

واعتبارا لكون أنشطة الاقتصاد المغربي ترتبط باقتصاديات بلدان تنتمي لإفريقيا وأوروبا بالدرجة الأولى، ناطقة باللغات الانجليزية والفرنسية و حتى الاسبانية، فإن الأمر بات يستوجب رفع تحدي تكوین موارد بشریة تثقن لغات متعددة، حتى يكون بمقدورها الاستفادة من فرصها الكاملة في سوق الشغل.

في هذا السياق، يعتبر عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، السيد جمال الدين الهاني، أن إشكالیة التمكن من اللغات أصبحت في صلب عوامل التنمیة الاقتصادیة والاجتماعیة والحضارية، ذلك أن العولمة أصبحت واقعا لا مناص منه مما یقتضي تشبعا كبیرا بقیم المنافسة والبحث المتواصل عن الأجود والأحسن.

و أوضح السيد الهاني، في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن عالم اليوم أضحى يستلزم التميز والابتكار في جمیع مناحي الحياة، مما يستوجب التحلي بقدرة كبیرة في میادین التواصل مع الآخر.

وسجل أنه من البديهي أن التواصل مع الآخر لا يمكن أن يكون إلا عبر اللغات الأكثر تداولا في العالم، وهو ما يتطلب إعطاء أهمية كبرى للتمكن من اللغات العالمیة، مثل الإنجلیزیة والإسبانیة والفرنسیة، وغيرها من اللغات الأخرى، الأمر الذي سيتيح للفاعلين الاقتصاديين والسياسيين والدبلوماسيين والثقافیین إسماع صوت المغرب في المحافل الدولیة والاستفادة من التجارب الدولیة في شتى المیادین والمجالات.

وأكد السيد الهاني، في هذا الإطار، أن الموقع الجغرافي المتمیز للمغرب، یجعل منه ملتقى حضاريا وثقافيا وإنسانيا صقل عبر العصور الشخصیة المغربیة، وهو ما يفرض الاستفادة من هذا الموروث التاریخي لكي نجعل منه مكسبا من أجل تطویر رصید المملكة الثقافي والحضاري.

وأضاف الأكاديمي المغربي أن تاریخ الإنسانیة أبان عبر العصور أن الأمم لا تتطور إلا عبر التلاقح والانفتاح على بعضها البعض، فالاقتباس اللغوي مثلا، یشكل ذخیرة لا متناهیة تسمح بالتلاقح بین اللغات وتساهم في إغنائها، في حين أن اللغات والحضارات والثقافات التي انغلقت على نفسها كان مآلها التراجع بل والاندثار في بعض الأحیان.

ومضى السيد الهاني قائلا: “إذا أخذنا بهذه السیاسة المبنیة على التعدد اللغوي فلا یمكننا إلا أن نفید ونستفید من التجارب التي نخوضها أو نستلهم منها كل ما هو إیجابي في النماذج التنمویة التي تتبعها شتى دول العالم، وسوف یترتب حتما عن هذه المقاربة إغناء رصیدنا الحضاري والثقافي بكل تجلیاته”.

وأشار إلى أن ذلك “لا یتعارض أبدا مع الحفاظ على هویتنا وحضارتنا وارتباطاتنا اللغویة والروحیة، بل سوف یساهم في تنمیتها وتطورها” مضيفا أنه لا ينبغي التخوف من اللغات الأجنبیة، بل على يجب اعتبارها مؤشرا إیجابيا لخلق روح من التنافسیة والاستفادة من تجارب الآخر”.

++ التمكن اللغوي سبيل أجیال الحاضر والمستقبل للتكیف مع التطورات العلمیة والتكنولوجیة

وعيا منها بأهمية اللغات في جميع أطوار التعليم والتكوين تطرقت الرؤية الاستراتیجیة لإصلاح التعلیم 2015- 2030 التي بلورها المجلس الأعلى للتربیة والتكوین والبحث العلمي لمسألة التعدد اللغوي لدورها الفعال في الاسهام في الانخراط في اقتصاد ومجتمع المعرفة وتعزيز موقع المغرب كبلد من البلدان الصاعدة.

وفي هذا الصدد، أبرز السيد الهاني أن عالم الیوم أصبح متعدد الأقطاب وصارت المعلومات تتداول بسرعة كبیرة ولا یمكن الوصول إلیها في أحسن الأحوال إلا عبر لغاتها الأصلية.

ولاحظ أن اللغة التي أصبحت الأكثر تداولا بین العلماء والباحثین في شتى المجالات هي اللغة الإنجلیزیة، مسجلا في الوقت نفسه أنه لا يجب الانخراط في هذا المنحى بطریقة عمیاء وإغفال ما یشكله التعدد اللغوي من ثراء بالنسبة للإنسانیة.

ويرى الاكاديمي أنه يتعين استشراف المستقبل بنوع من التأني والحذر، فمن یدري، مع التطور المتسارع للتكنولوجیا، من هي الأمم وما هي اللغات التي سوف تكون مؤثرة في عالم الغد؟ وبالتالي لا یجب الاندفاع كلیا وراء اللغات الأجنبیة المهیمنة وترك اللغات الاخرى وخصوصا اللغات الوطنیة، أي العربیة والأمازیغیة.

وبالمقابل، يضيف السيد الهاني لا بد من تكثیف الجهود في میدان الترجمة من أجل مواكبة التطورات الحاصلة في العلوم والتكنولوجیا ووضعها رهن إشارة جمهور الباحثین والطلبة، ذلك أن الترجمة تبقى ضعیفة جدا في المغرب، مما یجعل الطریق الأقرب إلى المعلومة یكون عبر لغتها الأصل وهو ما یستدعي تعلم هذه اللغات بإتقان، خاصة أنه بإمكان الإنسان تعلم لغات متعددة.

++ اللغة الإنجليزية وتدريس المواد العلمية

وبخصوص مدى نجاعة النقاش حول لغات تدريس المواد العلمية بالمغرب، يرى السيد الهاني أنه إذا كان تدریس العلوم متیسرا باللغة العربیة في بدایة المشوار الدراسي، فإن البحث العلمي في المستویات العلیا لا یجد مخرجا له إلا عبر اللغة الإنجلیزیة.

وهذه الإشكالية لا تواجه اللغة العربية بل تواجه كل اللغات العالمية الأخرى، فاللغة الإنجليزية تشكل نوعا من الهيمنة على الصعيد العالمي ما سیخلق إشكالیة بالنسبة للغات الأخرى، وهذا یستوجب توخي الحیطة والحذر وعدم الاندفاع.

فعلى الرغم من الاتفاق الذي يقترب من الاجماع حول اللغة الإنجليزية، يوضح عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية أنه “لا يجب أن نفرط في هويتنا وفي لغتينا الوطنية العربية والامازيغية، بل يجب علينا أن نظل منفتحين على اللغات والثقافات والحضارات العالمية لأن في ذلك غنى لشخصيتنا المتعددة الروافد”.

ولاحظ السيد الهاني أن التلمیذ بل الطالب لم یعد متمكنا حتى من اللغة العربیة بالشكل الكافي، مضيفا أن الجیل السابق كان متمكنا من اللغتین، ولما طبق تدریس المواد العلمیة باللغة العربیة تمكن خریجو المؤسسات الذین درسوا بالفرنسیة من التأقلم مع الأوضاع والتدریس بالعربیة.

هذه الوضعیة بالنسبة للأستاذ الهاني خلقت تفاوتات لا ترجع إلى لغة التدریس بل إلى مستوى التلامیذ الذین یدرسون في المدارس العمومیة والذین یدرسون في المؤسسات الخصوصیة، مع العلم أن نفس المقررات تدرس في النظامین مع إضافة بعض الساعات لدراسة اللغات الأجنبیة في المؤسسات الخصوصیة، موضحا أن ذلك غیر كاف لتفسیر الهوة والتهافت على المؤسسات الخاصة.

++ عولمة المعرفة وضرورة الانفتاح على لغة البحث العلمي

من جهته، أكد السيد عبد العالي زين العابدين، أستاذ التعليم العالي في مادة الرياضيات بكلية العلوم بالرباط على ضرورة ازدواجية التمكن اللغوي و التكنولوجي، موضحا أن التطور العلمي والتكنولوجي له مستويات وأنواع، حيث لا يختلف اثنان بشأن ضرورة تمكن المتخصصين في بعض التكنولوجيات الدقيقة من إجادة اللغة الانجليزية وغيرها من لغات البحث العلمي.

وأضاف أن المسألة المهمة في التكوين والتمكن من اللغات تتحدد في تكوين شخصية مستقلة وإيجابية قادرة على التكيف مع مختلف الأوضاع، وعلى الإبداع واكتساب وصقل المهارات المعرفية لينتقل المجتمع المغربي من مجتمع مستهلك للمعرفة إلى مجتمع منتج وناشر لها، مساهما في آليات البحث العلمي والابتكار والإبداع.

شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...