في السنوات الأخيرة، شهدت مواقع التواصل الاجتماعي بروز العديد من المصطلحات الجديدة التي تتجاوز حدود اللغة لتصبح أدوات للتعبير عن تحولات في القيم والسلوكيات. ومن بين هذه المصطلحات التي بدأت تثير نقاشاً متزايداً، يبرز مفهوم “الرجل الأميرة”، الذي يثير فضول الباحثين والمهتمين بديناميات الخطاب الرقمي، ويطرح أسئلة عميقة حول تمثلات الهوية، الذكورة، والعلاقات الاجتماعية في السياق المعاصر.
مصطلح “الرجل الأميرة” هو تركيب لغوي ساخر – وربما استفزازي – يجمع بين صورتين متباينتين: “الرجل” بما يحمله من دلالات تقليدية مرتبطة بالقوة، الصلابة، والقدرة على تحمل المسؤولية، و”الأميرة” بما تستحضره من معاني النعومة، الدلال، والعيش في كنف الرعاية والحماية.
وقد ظهر هذا التعبير أولاً في النقاشات الدائرة على منصات مثل “تويتر” و”تيك توك” و”إنستغرام”، حيث استُعمل لوصف فئة من الرجال الذين (يُنظر إليهم) على أنهم يطالبون بمعاملة خاصة، أو يعيشون بعقلية اتكالية تفتقر إلى روح المبادرة، أقرب إلى صورة الأميرة في الثقافة الشعبية.
يُستعمل هذا المصطلح في سياقات متعددة؛ فتارة يكون أداة نقد اجتماعي موجهة للرجل الذي يبالغ في التذمّر أو يطلب من الآخرين القيام بواجباته الأساسية، وتارة أخرى يصبح مادة خصبة للسخرية الرقمية، حيث يتم توظيفه في الميمز والفيديوهات القصيرة والتدوينات بغرض الترفيه وإثارة الجدل. وفي مستوى أعمق، يرى بعض المراقبين أنه يعكس تحولات في مفهوم الذكورة ذاته، حيث يتم تفكيك الصورة التقليدية للرجل “القوي الذي لا يلين”، وتعويضها بتمثلات أكثر مرونة وهشاشة، وإن كانت مثار انتقاد وسخرية.
إن حضور مصطلح “الرجل الأميرة” لا يمكن فصله عن النقاشات العالمية حول الأدوار الجندرية والتحولات التي طرأت عليها. فبينما تسعى الحركات النسوية والحقوقية إلى إعادة التوازن بين الجنسين، ينظر جزء من المجتمع إلى بعض مظاهر هذا التغيير على أنها إضعاف لصورة الرجل. وهنا يُستعمل المصطلح كرمز لهذا “الانزياح” من صورة القوة والمسؤولية إلى صورة الضعف والدلال.
وتتنوع ردود الفعل إزاء هذا المصطلح بين مؤيد يرى فيه وسيلة لتقويم بعض السلوكيات الذكورية غير الناضجة، ومعارض يعتبره تنمّراً إلكترونياً يشيطن أي رجل يخرج عن القوالب النمطية، وفريق ثالث يتعامل معه كدعابة عابرة لا تتجاوز حدود اللحظة الرقمية.
لا يمكن الجزم بأن “الرجل الأميرة” سيبقى متداولاً على المدى الطويل، فقد ينتهي مثل كثير من المصطلحات الرقمية التي تومض سريعاً ثم تخبو. غير أن ظهوره يكشف عن قدرة مواقع التواصل على إنتاج معجم جديد يواكب التغيرات الاجتماعية
.
وعليه، فإن “الرجل الأميرة” ليس مجرد تركيب لغوي ساخر يتداوله رواد الإنترنت، بل هو مرآة لجدل اجتماعي وثقافي متواصل حول معنى الرجولة وحدودها. وبين من يراه تعبيراً عن أزمة قيمية، ومن يعتبره دعابة عابرة، يبقى هذا المصطلح شاهداً على التحولات العميقة التي تعيشها اللغة والمجتمع في آن واحد.