بقلم: الحسن لحويدك – العالم24
من بين ما تضمنه الخطاب السامي الذي وجهه صاحب الجلالة الملك محمد السادس إلى الأمة، بمناسبة الذكرى السادسة والعشرين لتربع جلالته على عرش أسلافه الميامين، علاوة على مكاسب التنمية المحققة ورهان مواصلة تكريسها على مستوى عيش المواطنين في إطار الجهوية المتقدمة والعدالة المجالية وفق مقاربة متجددة، والتأكيد على احترام الموعد الدستوري للاستحقاقات التشريعية المقبلة، وتكليف وزير الداخلية بفتح مشاورات سياسية مع الأحزاب بوجوب اعتماد المنظومة المؤطرة لها قبل نهاية 2025؛ نستخلص الرسائل الكبرى التي تطرق إليها الخطاب السامي بخصوص ملف الوحدة الترابية كما وردت على الشكل التالي:
“… نؤكد تمسكنا بالاتحاد المغاربي، واثقين بأنه لن يكون بدون انخراط المغرب والجزائر، مع باقي الدول الشقيقة.
ومن جهة أخرى، فإننا نعتز بالدعم الدولي المتزايد لمبادرة الحكم الذاتي، كحل وحيد للنزاع حول الصحراء المغربية.
وفي هذا الإطار، نتقدم بعبارات الشكر والتقدير للمملكة المتحدة الصديقة، وجمهورية البرتغال، على موقفهما البناء، الذي يساند مبادرة الحكم الذاتي، في إطار سيادة المغرب على صحرائه، ويعزز مواقف العديد من الدول عبر العالم.
وبقدر اعتزازنا بهذه المواقف، التي تناصر الحق والشرعية، بقدر ما نؤكد حرصنا على إيجاد حل توافقي، لا غالب فيه ولا مغلوب، يحفظ ماء وجه جميع الأطراف.”
نستنبط من خطاب جلالة الملك محمد السادس نصره الله مجموعة من النقط:
تثبيت المرجعية الرسمية: الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية
جلالة الملك يعيد التأكيد، بشكل واضح وغير قابل للتأويل، على أن “الحكم الذاتي” هو الحل الوحيد المقترح من طرف المغرب، ويشدد على أنه في إطار السيادة الكاملة للمملكة على أقاليمها الجنوبية.
هذا ينسجم مع الخطابات الملكية السابقة (منذ 2007)، لكن هذه المرة مع نغمة أكثر ثقة وميدانية، تعكس حجم الاعتراف الدولي المتراكم.الدعم الدولي الجديد: بريطانيا والبرتغال
خطاب 2025 يركّز لأول مرة على مواقف المملكة المتحدة وجمهورية البرتغال.
هذا الدعم ينضاف إلى سلسلة من المواقف الرسمية من دول كبرى (أمريكا، فرنسا، إسبانيا، ألمانيا، هولندا، بلجيكا، رومانيا…) التي اعترفت بجدية وواقعية مبادرة الحكم الذاتي.
ومن هنا، لا بد من التأكيد على الدلالة الجيوسياسية:
بريطانيا ليست فقط دولة أوروبية كبرى، بل عضو دائم في مجلس الأمن.
دخول البرتغال على الخط مهم في سياق القرب الجغرافي، والمواقف الموحدة مع إسبانيا.لغة ناعمة… لكنها صارمة
“حل توافقي، لا غالب فيه ولا مغلوب، يحفظ ماء وجه جميع الأطراف.”
تُظهر هذه العبارة الواقعية السياسية للمملكة: رغبة في تسوية لا تهين أحدًا، لكنها لا تخرج عن السيادة المغربية.
هذا الأسلوب يخاطب المجتمع الدولي، ويقدم المغرب كـ”قوة اقتراحية مسؤولة”.الربط الإقليمي: الاتحاد المغاربي واليد الممدودة للجزائر، خيار استراتيجي إقليمي
جلالة الملك ربط بشكل مباشر بين مستقبل الاتحاد المغاربي وانخراط المغرب والجزائر فيه، والحاجة إلى تجاوز الوضع “المؤسف” في العلاقات الثنائية.
وبالتالي، لا بد من الوقوف على الدلالة المستشفة منه:
فالقضية الوطنية لم تعد مجرد قضية حدود ونزاع، بل مرتبطة بإحياء الفضاء المغاربي، والتنمية الإقليمية.
وهي رسالة غير مباشرة إلى الجزائر: المغرب مستعد للسلام والتكامل، لكن على أساس الوضوح والاعتراف المتبادل.
ثانياً: السياق السياسي المرتبط بالخطاب
فالموقف الجزائري هو استمرار القطيعة مع المغرب، ودعمها العلني للبوليساريو. ومواقف مجلس الأمن تشيد بالدينامية المغربية وتصف المبادرة بأنها “واقعية وذات مصداقية”.
زيارات رسمية مرتقبة، وتعزيز الشراكات مع دول إفريقية وأوروبية لمواصلة دعم مغربية الصحراء.
استراتيجية المغرب في تفعيل دبلوماسية القنصليات، والتنزيل الميداني للنموذج التنموي في الجهات الجنوبية.
إن الخطاب يكرّس التحوّل من الدفاع إلى المبادرة: فلم يعد المغرب في موقع رد الفعل، بل في موقع من يقترح ويقود.
وبالتالي، فإن التراكم الدبلوماسي يُترجَم في لغة الخطاب: ثقة أكبر، انفتاح محسوب، لكن دون تنازل عن السيادة.
كما يعد رسالة مزدوجة للداخل والخارج:
للداخل: المغرب يمضي قدمًا في وحدته الترابية دون تراجع.
- للخارج: الباب مفتوح لحل سياسي توافقي دون انتقاص من حق المغرب في سيادته.