بعد مرور أكثر من عقد على صدوره، عاد فيلم الرعب التجريبي The Human Centipede (Final Sequence) إلى واجهة النقاش العالمي، ليس من بوابة دور السينما أو المنصات الرسمية، بل من خلال مقاطع مسرّبة وغامضة اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي، حاملة معها صورًا ومشاهد غير معتادة تثير الفضول، القلق، وحتى الصدمة الصامتة.
فيلم The Human Centipede III: Final Sequence، وهو الجزء الثالث من ثلاثية أخرجها الهولندي توم سيكس (Tom Six)، تم إصداره سنة 2015 كخاتمة لتجربة سينمائية أثارت جدلاً واسعًا منذ بدايتها. لكن هذه العودة غير المتوقعة إلى التداول الرقمي، خاصة عبر “تيك توك” و”تويتر”، منحت الفيلم حياة جديدة بين جمهور لم يسبق له أن شاهد الأجزاء السابقة أو حتى سمع بها، ما أدى إلى موجة من التعليقات الحادة والنقاشات المحتدمة.
تدور أحداث الجزء الثالث في سجن أمريكي، حيث يقرّر مدير المؤسسة – في لحظة عبثية مفرطة – تنفيذ مشروع غريب يتمثل في إنشاء “دودة بشرية” مكوّنة من 500 سجين، كعقاب رادع وتحكّم شامل في السجناء. وبالرغم من الطابع الكاريكاتوري الذي حاول المخرج إضفاءه على الحبكة، فإن النتائج البصرية والنفسية للفيلم دفعت كثيرين لوصفه بأنه أقرب إلى التعذيب الرمزي منه إلى تجربة سينمائية قابلة للمشاهدة.
الفيلم من بطولة ديتر لازر ولورانس آر. هارفي، إلى جانب ظهور خاص للمخرج نفسه، وقد صرّح توم سيكس مرارًا أن هذا الجزء الأخير من السلسلة كان مقصودًا به أن يكون “100% غير مناسب سياسيًا”، في إشارة إلى نقده للمؤسسات العقابية والمجتمعات التي تتقبل السلطة المطلقة بصمت في بلاده.
تقوم الفكرة المركزية لفيلم The Human Centipede III على تصور صادم وغير مألوف يتمثل في ربط عدد كبير من الأشخاص – في هذه الحالة، 500 سجين – بطريقة جراحية تجعلهم متصلين جسديًا في شكل “دودة بشرية” واحدة. في هذا التكوين المريع، يُربط كل شخص بالآخر بحيث يكون فمه ملتصقًا بشكل مباشر بمستقيم السجين الذي يسبقه، مما يجعل عملية الهضم والتمرير الجسدي للطعام بين الأفراد متواصلة، بشكل ميكانيكي مرعب.
تهدف هذه الفكرة إلى تمثيل حرفي لأقصى درجات السيطرة والتبعية، إذ لا يستطيع أي فرد أن يعيش أو يتحرك أو يتغذى إلا من خلال من يسبقه، في تسلسل خاضع تمامًا للنظام المفروض من قبل السلطة. وبهذا، يتحول الجسد البشري في الفيلم إلى أداة طيّعة تُستخدم لتجسيد الطاعة القسرية وفقدان الكرامة الإنسانية، وهو ما يجعل الفيلم أكثر من مجرد عمل رعب، بل تجربة بصرية رمزية تحاول طرح تساؤلات أخلاقية وفكرية مزعجة عن السلطة، العقاب، والتجرد من الإنسانية.
لكن الغرابة لا تكمن فقط في الفكرة، بل في الطريقة التي تلقاها الجمهور. عند صدوره الأول، تعرّض الفيلم لوابل من الانتقادات السلبية، حيث حصل على تقييم 5/100 على موقع Metacritic، ووُصف بأنه “تجربة بلا معنى” من قِبل عدد كبير من النقاد. إلا أن هذه المراجعات لم تمنع انتشاره، بل ساهمت بشكل غير مباشر في تحويله إلى “ظاهرة حديثة” على الإنترنت.
ومع تسرب مقاطع جديدة مؤخرًا، عاد الفيلم ليصدم جيلاً لم يعش تجربة مشاهدة الأجزاء السابقة، مقاطع قصيرة ومجزأة كفيلة بجعل بعض المستخدمين يتساءلون إن كان ما يشاهدونه حقيقيًا، أم مجرد محاكاة ساخرة سوداء. في تعليقات مستخدمي تيك توك مثلاً، تتكرّر عبارات مثل: “هل هذا حقيقي؟”، “لماذا لم أكن أعلم بهذا؟”، و”لم أستطع إكمال المقطع!”.
هذه العودة المفاجئة تطرح أسئلة عدة حول العلاقة بين السينما ومنصات التواصل الحديثة: هل من الطبيعي أن تُعاد ترويج أعمال صادمة بهذه الطريقة، دون تحذير أو تصنيف عمري؟ وهل يحق لأي محتوى، مهما بلغ تطرفه، أن يجد له مكانًا في الفضاء العام بمجرد أنه “مثير للاهتمام”؟
في النهاية، ورغم كل الجدل، يبقى The Human Centipede III عملًا فنيًا يثير النقاش أكثر مما يثير الإعجاب. فيلم اختبر حدود الصدمة البصرية والرمزية، وأعادنا إلى سؤال قديم يتجدد: إلى أي حد يمكن للفن أن يتجاوز المألوف قبل أن يتحول إلى تهديد نفسي لا يُحتمل؟