طلاق أحمد السقا ومها الصغير يفتح نقاشاً عربياً حاداً حول حرية المرأة وازدواجية الأحكام الاجتماعية

في الأيام الأخيرة، شهدت مواقع التواصل الاجتماعي في الوطن العربي موجةً عارمة من التفاعل، بعد تأكيد خبر انفصال الممثل المصري الشهير أحمد السقا عن زوجته الإعلامية مها الصغير، في حدث لم يكن ليمر دون أن يثير عاصفة من الآراء، الاتهامات، والتدخلات في الحياة الخاصة للطرفين، وخصوصاً لمها الصغير، التي وجدت نفسها في قلب جدل اجتماعي وأخلاقي حول خياراتها الشخصية، وحقها في استئناف حياتها بعد الطلاق.

تداولت منصات عدة تسريبات تفيد بوجود علاقة جديدة تربط مها الصغير بالممثل طارق صبري، بل إن البعض ذهب إلى حد التلميح إلى قرب إعلان زواجهما، وهو ما لم يُؤكد رسمياً. ومع ذلك، كان كافياً لإشعال موجة من الانتقادات والتعليقات التي تجاوزت حدود النقد إلى التدخل الصريح في الحياة الخاصة، وكأن المرأة المطلّقة مطالبة بالبقاء في دائرة الحزن والندم، بينما يُمنح الرجل تلقائيًا حق الاستمرار والمضي قدمًا دون مساءلة.

ما يثير القلق في هذا السياق ليس فقط حجم الاهتمام الشعبي بالمسألة، بل طبيعته أيضًا. فقد اتسمت معظم ردود الفعل، لا سيما تلك الموجهة لمها الصغير، بلغة قاسية وحكمية، تحاسب المرأة على قرار الانفصال، ثم تجرّمها ضمنياً على احتمال الدخول في علاقة جديدة، في مشهد يُعيد إلى الواجهة واقع الازدواجية الصارخة في نظرة المجتمع العربي إلى حرية الرجل والمرأة.

ليس من الجديد القول إن المرأة في المجتمعات العربية تُحاسب مرتين: مرة حين تختار أن تنهي علاقة، ومرة حين تختار أن تبدأ من جديد. ورغم ما نعيشه من تحوّلات على مستوى الخطاب الحقوقي والتمكين النسائي، ما زالت الأعراف والتقاليد تفرض قوالب جاهزة، لا ترى في المرأة إلا تابعًا. بل ويُنتظر منها أن تعيش ألم الفقد والانفصال كعلامة على “الوفاء” أو “الحياء”، في حين أن الرجل يُصفّق له عندما يعيد ترتيب حياته سريعًا.

إنّ ما يحدث الآن مع مها الصغير ليس مجرد تفاعل مع “قصة طلاق فنية”، بل هو انعكاس مرير لصورة أوسع وأكثر تعقيدًا. صورة تؤكد أن حرية المرأة، حتى حين تكون مشهورة وناجحة، تظل مشروطة بمزاج المجتمع، وحدود “المقبول” و”المسموح” الذي تُحدّده الثقافة الذكورية السائدة. فبدل أن يتم التعامل مع الخبر باعتباره شأناً شخصيًا خالصًا، تحوّل إلى منبر للحكم عليها، ومناسبة لإعادة إنتاج خطابات تمييزية.

هذه اللحظة الإعلامية يجب ألا تمر مرور الكرام. لا يتعلق الأمر بالدفاع عن مها الصغير، بل بالدفاع عن مبدأ أساسي: أن للمرأة الحق، كالرجل تمامًا، في اتخاذ قرارات مصيرية تخص حياتها العاطفية، دون وصاية أو تهجم أو تشكيك في نواياها. وأنه لا يمكن لمجتمع يدّعي التقدّم أن يربط شرف المرأة بمقدار ما تحتمله من ألم، أو يربط كرامتها بعدد السنوات التي تبقى فيها دون شريك.

ليست مها الصغير أول امرأة تتعرّض لمثل هذا الضغط، لكنها نموذج صارخ يعكس أن معركة المساواة لا تزال طويلة. وما دامت حرية المرأة تُناقش من منطلق أخلاقي ذكوري، فإن كل طلاق، وكل زواج، سيظل فرصة جديدة لإعادة فتح جراح اجتماعية لم تلتئم بعد.

 

 

شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...