بين الخوارزميات والكرامة الإنسانية… من يحكم العالم القادم؟

 

الكاتب: رضوان الله العطلاتي

 

في زمنٍ تجاوز فيه النبض الرقمي إيقاع نبض الإنسان، يقف العالم على شفا منعطف تاريخي، تفتح أبوابه تكنولوجيا خارقة تُدعى الذكاء الاصطناعي، بينما تتعثر التنمية البشرية في خطواتها، كمن يمشي حافيًا على رصيفٍ من أسلاكٍ كهربائية، وهو ما يؤكده تقرير التنمية البشرية لسنة 2025، الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، كونه لا يُطلق صفارة إنذار، بل يهدي مرآةً عملاقة لوجه البشرية، ليطرح سؤالًا صارخًا: هل نقود التكنولوجيا أم نسلمها مفاتيح مصيرنا؟

 

الذكاء الاصطناعي لم يعد ترفًا فكريًا ولا أداةً لمستقبل بعيد، بل صار حاضرًا يقتحم حياتنا اليومية، يتسلل إلى مقاعد الدراسة وغرف العمليات والمكاتب، وحتى أحلام العاطلين عن العمل. لكن، خلف هذه القفزة التكنولوجية المبهرة، يرصد التقرير ظلالًا قاتمة تتسلل إلى جدران التنمية: تباطؤ عالمي، فجوات تتسع، وفئات تُترك خلف الركب، وكأن الذكاء الاصطناعي يركض، فيما الإنسانية تلهث في محاولة للحاق به.

 

التقرير، الذي يحمل عنوانًا بليغًا: “رهنٌ بخيار”، لا يتحدث عن آلات خارقة، بل عن بشر من لحمٍ ووعي، يملكون بوصلة القرار. فالذكاء الاصطناعي، كما يؤكد التقرير، لا يمتلك روحًا ولا أخلاقًا، بل يعكس من يغذيه، ويضخم ما نحمله من قيم أو انحيازات. لذا، فإن كل خوارزمية ليست فقط شفرةً رقمية، بل قرارًا سياسيًا، وخيارًا أخلاقيًا، وتوجهًا اجتماعيًا.

 

في مفارقة صارخة، ترتفع مؤشرات استخدام الذكاء الاصطناعي في الصحة والتعليم والعمل، بينما تُسجل التنمية البشرية أضعف مستويات التقدم منذ 35 عامًا، وكأن البشر باتوا يستثمرون في الآلة أكثر مما يستثمرون في أنفسهم. هذا التناقض ليس مجرد إحصاء، بل مأزق وجودي. فما جدوى تكنولوجيا خارقة إن كان الأطفال ما زالوا يقطعون الكيلومترات للوصول إلى مدرسة؟ أو يموت المرضى في الطوابير لأن خوارزمية لم تُفعل بعد؟

 

الأمل، كما يرسمه التقرير، لا يكمن في مقاومة الذكاء الاصطناعي، بل في احتوائه وتطويعه، تمامًا كما نطوع النار لإنارة الظلام؛ يدعو إلى اقتصادٍ لا يُقصي الإنسان، بل يعيد تعريفه، حيث تتكامل القدرات البشرية مع الآلية، لا أن تتوارى خلفها. ويقترح أن يكون الابتكار تصميمًا للعدالة لا رفاهية للأقوياء. فبدل أن ننتظر من الذكاء الاصطناعي أن يخبرنا كيف نعيش، حان الوقت لنسأله: لماذا نريده أصلًا؟

 

المفاجأة التي حملها المسح الأممي كانت في التوقعات المرتفعة لدى سكان الدول النامية، وكأن من عانوا التهميش أكثر، باتوا يتطلعون إلى التكنولوجيا كقارب نجاة. لكن، هل يمكن لقارب أن يحمل الجميع؟ الجواب ليس في المعادلات، بل في القرارات. من يُدرّب الخوارزميات؟ من يمتلك البيانات؟ من يحدد الأولويات؟ أسئلة تحمل في طيّاتها معارك المستقبل، بين القلة المحتكرة والأغلبية الباحثة عن العدالة.

 

التقرير لا يمنح وصفات جاهزة، بل يفتح المجال للجرأة. فالمسألة لم تعد “ماذا نستطيع أن نفعل؟”، بل “أي مستقبل نريد أن نخلق؟”، فالذكاء الاصطناعي ليس معجزة بحد ذاته، لكنه قد يكون المعجزة إذا اخترنا أن نعيد من خلاله الاعتبار لأبسط ما يجعلنا بشرًا: حريتنا في الاختيار، وقدرتنا على أن نبتكر عالماً لا يُقصي أحدًا.

 

ربما هذه ليست نهاية مقال، بل بداية عهد جديد… إذا قررنا أن نكون نحن من يكتب السطر التالي، لا الخوارزمية.

شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...