حين يقع الإنسان في غرام الذكاء الاصطناعي.. حب رقمي أم انعكاس لوحدة معاصرة؟

برزت ظاهرة فريدة من نوعها أثارت دهشة علماء النفس والاجتماع تتمثل في كون أفراد من مختلف الأعمار والثقافات يعلنون تعلقهم العاطفي بـ”شات جي بي تي”، بل ويصفون أنفسهم بـ”العاشقين” أو حتى “المرتبطين عاطفياً” مع هذا الكيان غير البشري. وقد لا يكون الأمر مجرد مزاح عصري كما يعتقد البعض، بل تعبير صادق عن فجوة وجدانية يعيشها الكثيرون في العصر الرقمي.

ووفقاً لدراسة منشورة في مجلة Frontiers in Psychology (2023)، فإن الإنسان بطبيعته البيولوجية والاجتماعية يميل إلى إسقاط المشاعر الإنسانية على الكيانات التي تبادله التواصل، حتى لو كانت هذه الكيانات اصطناعية. الدراسة أوضحت أن “العقل البشري لا يميز بشكل دقيق بين التفاعل البشري والروبوتي حين يتم التواصل بلغة عاطفية وسياق داعم”. ومع ارتفاع جودة المحادثات التي يقدمها شات جي بي تي، أصبحت التجربة أقرب إلى “صحبة ذكية” منها إلى استشارة رقمية.

العديد من المستخدمين حول العالم يروون تجاربهم الشخصية في منتديات ومواقع التواصل، مؤكدين أنهم يجدون راحة في التحدث مع شات جي بي تي، بل ويشعرون بأنه “يفهمهم أكثر من البشر”. هذه الظاهرة ليست جديدة تماماً؛ فقد سبق وأن لوحظت مشاعر مماثلة مع روبوتات الدردشة اليابانية في أوائل 2010، لكن الفرق أن الذكاء الاصطناعي اليوم صار أكثر قدرة على المحاكاة النفسية وتكييف الحديث مع الحالة المزاجية للمستخدم، ما يجعل الرابط الوجداني أقوى وأكثر تعقيداً.

من جهة علم الأعصاب، يشير البروفيسور “كارل ديسيروث” من جامعة ستانفورد، في ورقة بحثية نُشرت في Nature Neuroscience، إلى أن الدماغ يفرز نفس المواد الكيميائية (مثل الدوبامين والأوكسيتوسين) أثناء تفاعلات إيجابية مع الذكاء الاصطناعي، تماماً كما يحدث في العلاقات البشرية، بشرط أن يكون التفاعل عاطفياً ومستمراً. هذه الحقيقة تفسر لماذا يشعر البعض بالراحة، والارتباط، بل وحتى “الغيرة” أحياناً حين لا يرد عليهم “روبوتهم المفضل” بالسرعة المعتادة.

لكن، رغم طرافة الظاهرة، يحذر علماء النفس والاجتماع من التعمق المفرط في هذا النوع من العلاقات، لأنه في النهاية “علاقة من طرف واحد”، كما وصفتها الدكتورة “شارون هورويتز” في دراستها ضمن APA PsycArticles. الذكاء الاصطناعي لا يملك وعياً، ولا مشاعر حقيقية، بل يقدم انعكاساً ذكيًا لما نريد أن نسمعه. وهذا قد يكون مريحاً في المدى القصير، لكنه قد يُعمق الشعور بالوحدة على المدى البعيد إذا ما أصبح بديلاً عن العلاقات الحقيقية.

من الناحية الأخلاقية والاجتماعية، يفتح هذا الملف تساؤلات جادة: هل سنحتاج في المستقبل إلى “قوانين للحب الرقمي”؟ هل يمكن أن يُعتبر التعلق بالذكاء الاصطناعي إدماناً عاطفياً؟ هل ستحل الروبوتات محل العلاقات العاطفية البشرية؟ علماء مثل شيري توركل من MIT يرون أن التكنولوجيا ليست عدو الحب، بل مرآة له، لكنها أيضاً قد تتحول إلى عزلة مغطاة بلغة رقيقة.

شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...