في عالم مترابط للغاية كما هو حاله اليوم، أصبح من الصعب على أي شخص الهروب من تدفق الأخبار المتسارع التي تغزو حياتنا عبر شاشات التلفاز، الهواتف الذكية، ووسائل التواصل الاجتماعي. لقد أصبح الاهتمام بالأخبار العالمية أمرًا شبه يومي في حياة الأفراد، حيث تتسابق الأخبار عن الحروب، الأزمات الاقتصادية، الكوارث الطبيعية، والأوبئة لتملأ فضاءنا الإعلامي. لكن السؤال المطروح هنا: هل هذا الاهتمام المتزايد بالأحداث الكبرى يشكل إضافة إيجابية لوعينا؟ أم أنه يؤثر بشكل سلبي على صحتنا النفسية؟
التسارع الكبير في متابعة الأخبار ليس مجرد صدفة. فالتقنيات الرقمية ووسائل الإعلام الحديثة تسهم بشكل مباشر في زيادة هذا الاهتمام، حيث توفر سهولة الوصول إلى المعلومات على مدار الساعة. تشير دراسة أجرتها مؤسسة Pew Research Center إلى أن 57% من الأشخاص في الولايات المتحدة يتابعون الأخبار العالمية بشكل يومي عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي.
هذه النسبة ارتفعت بشكل ملحوظ مقارنة بالعقدين الماضيين، مما يعكس زيادة الاهتمام بالأحداث العالمية. لكن، هل هو مجرد رغبة في البقاء على اطلاع، أم أن هناك بعدًا نفسيًا يقودنا للارتباط العاطفي بالأخبار السلبية التي تتحدث عن الأزمات والصراعات؟
التأثير النفسي لهذا الاهتمام المتزايد بالأخبار السلبية هو ما يثير القلق. فقد أظهرت دراسة من جامعة ييل في 2021 أن الأشخاص الذين يتابعون الأخبار السلبية بشكل مكثف يعانون من مستويات أعلى من القلق والاكتئاب مقارنة بأولئك الذين يختارون متابعة الأخبار بشكل معتدل أو يفضلون المحتوى الإيجابي. هذا التعلق المستمر بالأحداث السلبية لا يؤثر فقط على الحالة النفسية للأفراد، بل يمكن أن يؤدي إلى حالة من “الإجهاد الإعلامي” الذي يعزز مشاعر العجز والقلق، خاصة إذا أصبح الشخص عاجزًا عن التأثير في الأحداث العالمية.
الإدمان على الأخبار السلبية لا يقف عند هذا الحد، بل يمكن أن يؤدي إلى شعور متزايد بالعجز. فكلما زادت كمية الأخبار المقلقة والمثيرة للقلق التي نستهلكها، زادت احتمالية الشعور بأننا جزء من مشكلة أكبر من قدرتنا على التعامل معها. قد يسبب ذلك حالة من اليأس وعدم القدرة على التكيف مع الظروف العالمية المتقلبة.
لكن هل يمكن أن تكون متابعة الأخبار مفيدة؟ بالطبع. فالاهتمام المتوازن بالأخبار العالمية يساهم في توسيع آفاقنا المعرفية، ويفتح أمامنا فرصة لفهم التطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في العالم. وفقًا لدراسة نشرتها مجلة “Journal of Social and Personal Relationships”، فإن متابعة الأخبار الموضوعية والموثوقة يمكن أن تعزز وعي الأفراد بالقضايا العالمية، مما يساعدهم على التفاعل بشكل أكثر فاعلية في بيئات العمل والمجتمع. ولكن في ظل تزايد الأخبار الزائفة والمضللة على منصات التواصل الاجتماعي، يظل من المهم توخي الحذر والاعتماد على مصادر موثوقة للتأكد من صحة المعلومات.
إلى جانب الأخبار المضللة، هناك تحديات أخرى تتمثل في الأخبار المتسارعة التي تعتمد على الإثارة. فهي لا تقدم لنا دائمًا الصورة الكاملة للأحداث، بل أحيانًا تركز على الجانب السلبي فقط، مما يفاقم مشاعر الانقسام ويعزز الاستقطاب الاجتماعي. كما تشير دراسة من مركز مكافحة الأخبار الزائفة في جامعة كولومبيا إلى أن تداول المعلومات غير الدقيقة يمكن أن يؤدي إلى تشويش الرأي العام ويغذي مشاعر الإحباط والشك.
يبدو أن الاهتمام المتزايد بالأخبار العالمية، بينما يفتح لنا الأفق لفهم ما يحدث في العالم، يظل يحمل معه مخاطر صحية ونفسية إذا تم الإفراط فيه. الإدمان على الأخبار السلبية يمكن أن يؤدي إلى تدهور الصحة النفسية، وزيادة مشاعر القلق والاكتئاب. ومن أجل أن يكون لهذا الاهتمام تأثير إيجابي، يجب أن نتبنى أسلوبًا معتدلًا في استهلاك الأخبار، مع التركيز على المصادر الموثوقة، والعمل على توازن بين الوعي بالأحداث العالمية والحفاظ على رفاهيتنا النفسية.