القنيطرة تتحرر من الفوضى.. حملة غير مسبوقة تعيد النظام إلى شارع كينيدي وسوق الخبازات

في مشهد لم تألفه شوارع القنيطرة منذ سنوات، انطلقت حملة صارمة لتحرير الملك العمومي من الاستغلال العشوائي، استهدفت شارع كينيدي وسوق الخبازات، بعد أن تحولت الأرصفة والممرات العامة إلى ممتلكات خاصة فرضها أصحاب المقاهي والباعة المتجولون دون وجه حق، لكن مع تحرك الجرافات والقوات العمومية، بدا أن المدينة تستعيد شيئًا من هويتها الضائعة وسط فوضى الاحتلال غير القانوني، في مشهد يعكس عزم السلطات تحت إشراف عامل الإقليم على فرض النظام وإعادة الجمالية إلى الشوارع.

لم يكن شارع كينيدي، الذي يُعد من المحاور الرئيسية للقنيطرة، سوى نموذج لما يحدث في باقي أحياء المدينة، فالأرصفة التي كانت مخصصة للمارة اختفت تحت طاولات المقاهي وكراسي المطاعم، مما أجبر الراجلين على المشي وسط الطريق الممتلئ بالسيارات معرضين أنفسهم لخطر الحوادث، لتنطلق الحملة بتدخل رسمي جاء حازمًا، حيث أُزيلت جميع التجهيزات الموضوعة خارج نطاق التراخيص، فيما فُككت الحواجز التي نصبها بعض التجار للاستحواذ على المساحات كأنهم يملكونها، فالأمر لم يكن مجرد قرار إداري، بل تحرك منسق سبقته إنذارات وتحذيرات لم تلقَ آذانًا صاغية، ما جعل الحسم هو الخيار الوحيد أمام السلطات.

في قلب سوق الخبازات حيث يلتقي الضجيج بالفوضى كانت المعركة أكثر تعقيدًا، حيث تحول السوق إلى متاهة مكتظة بالعربات العشوائية والسلع المتناثرة على الأرصفة، مما جعل التنقل داخله مهمة شبه مستحيلة، فالتجار الذين اعتادوا التوسع دون قيود، وجدوا أنفسهم أمام إجراءات صارمة نقلت الوضع من العشوائية إلى النظام في غضون ساعات، بعضهم تقبل القرار على مضض، بينما حاول آخرون مقاومته، لكن الأمر كان قد حُسم، فالأجهزة الأمنية المدعومة بأطقم الجماعة، أزالت التجاوزات واحتجزت العربات غير المرخصة، في خطوة جعلت السوق يبدو مختلفًا تمامًا عن السابق، وكأنه يستعد لاستقبال عصر جديد من التنظيم.

على مستوى آخر، لم يكن رد الفعل الشعبي متجانسًا، فبينما أبدى العديد من المواطنين ارتياحهم لاستعادة الأرصفة، من جهتهم عبّر بعض التجار عن مخاوفهم من فقدان مصادر رزقهم، بينهم أحد الباعة في سوق الخبازات لم يُخفِ قلقه وهو يتحدث لجريدة العالم24 بحسرة عن غياب البدائل، متسائلًا عن مصير صغار التجار الذين يعتمدون على تلك المساحات لكسب قوت يومهم. في المقابل، اعتبرت فاطمة، التي تعيش بالقرب من شارع كينيدي، أن الحملة جاءت متأخرة لكنها ضرورية، مؤكدة أنها كانت تتجنب التجول في المنطقة بسبب الفوضى المستمرة، والمفارقة أن القنيطريين الذين اعتادوا هذه العشوائية وجدوا أنفسهم أمام واقع جديد يفرض التأقلم مع قواعد لم يكن لها وجود فعلي في السابق.

السلطات المحلية شددت على أن الحملة ليست مجرد إجراء موسمي، بل هي جزء من استراتيجية طويلة الأمد تروم فرض احترام الملك العمومي في جميع أنحاء المدينة، وفي نفس السياق أكد أحد المسؤولين لموفد العالم24 أن هذه العملية لن تكون الأخيرة، مشيرًا إلى أن هناك إجراءات إضافية ستُتخذ لمنع عودة الفوضى مجددًا. كما أن الجماعة أطلقت سابقا حملات تحسيسية منذ أكثر من عامين، لكن التجاوب كان محدودًا، ما دفعها إلى اتخاذ قرارات أكثر صرامة، في رسالة واضحة مفادها أن القانون لن يظل حبرًا على ورق بعد اليوم.

ومع استمرار الحملة، بدأت التساؤلات تثار حول مدى قدرتها على الصمود، وما إذا كانت السلطات ستستمر في فرض الرقابة لمنع تكرار السيناريو السابق؛ القنيطرة اليوم أمام نقطة تحول، فإما أن تحافظ على هذا المكتسب وتستمر في تنظيم فضاءاتها، أو تعود إلى دوامة الفوضى التي كانت عنوانًا بارزًا في شوارعها لسنوات، وبينما يتابع المواطنون نتائج هذه الحملة، تبقى الحقيقة الأهم أن المدينة استعادت جزءًا من رونقها، وأن النظام، فرض نفسه أخيرًا على مشهد العام لعاصمة الغرب.

شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...