بلغ إلى علمنا من مصادر متعددة أن قطاع الطيران المدني في المغرب يشهد موجة من التحولات والإشكالات التي تستدعي الوقوف عندها، خصوصًا فيما يتعلق بمناخ العمل داخل المؤسسات المعنية وتأثيره على استقرار الكفاءات الوطنية.
فقد عرف القطاع خلال السنوات الأخيرة مغادرة عدد كبير من الأطر ذات الخبرة العالية، سواء عبر الاستقالة أو الانتقال إلى مؤسسات أخرى داخل المغرب وخارجه.
وتشير بعض المصادر إلى أن العدد تجاوز 27 إطارًا منذ سنة 2012، مما يطرح تساؤلات حول الأسباب التي تدفع بهذه الطاقات إلى البحث عن آفاق جديدة، رغم الأهمية الاستراتيجية لهذا المجال
فيما تفيد بعض المعطيات أن قطاع الطيران المدني في المغرب عرف تطورًا ملحوظًا خلال العقدين الماضيين، حيث تم تحرير النقل الجوي سنة 2004، تبعه توقيع اتفاقيات دولية عززت من اندماج المغرب في المجال الجوي العالمي، كما شهد القطاع عمليات إصلاح متتالية، من بينها إنشاء المديرية العامة للطيران المدني سنة 2008، لمواكبة المعايير الدولية التي تفرضها منظمة الطيران المدني الدولي (OACI).
لكن، ورغم هذه الإصلاحات، فإن البعض يرى أن الإكراهات الإدارية والتدبيرية قد ساهمت في خلق جو من الضغوط داخل القطاع، وهو ما أدى إلى صعوبات في الاحتفاظ بالكفاءات الوطنية التي فضلت البحث عن فرص أخرى، سواء في مؤسسات دولية أو شركات خاصة خارج المغرب، هنا يتساءل البعض: هل يتعلق الأمر بغياب رؤية استراتيجية تحفز الأطر على البقاء؟ أم أن هناك عوامل أخرى تعيق تطور هذا المجال على مستوى الموارد البشرية؟
يخضع قطاع الطيران المدني لرقابة دولية صارمة، حيث يتم تقييم الدول دوريًا من طرف هيئات متخصصة لضمان احترام معايير السلامة الجوية.
وقد شهد المغرب في السنوات الأخيرة عدة افتحاصات تقنية، كان عليه الالتزام بتوصياتها للحفاظ على جودة الخدمات وضمان عدم تصنيفه ضمن اللائحة السوداء، ويرى البعض أن الضغوط الدولية المتزايدة قد تؤثر على بيئة العمل داخل المؤسسات الوطنية، خاصة مع الحاجة المستمرة إلى تحديث القوانين وتكييف البنية الإدارية والتقنية مع المتطلبات الحديثة.
في هذا السياق، يشير البعض إلى أن الضغط المتزايد من الجهات الدولية قد يكون عاملاً إضافيًا يؤثر على بيئة العمل داخل المؤسسات الوطنية، خاصة مع تزايد الحاجة إلى تحديث القوانين وتكييف البنية الإدارية والتقنية وفق المتطلبات الحديثة، ورغم تحقيق المغرب لنقاط متقدمة في التقييمات الدولية، فإن هناك من يرى أن استمرارية النجاح تحتاج إلى استقرار إداري، وهو ما يبدو مهددًا في ظل استمرار نزيف الأدمغة.
أحد الأسئلة المطروحة في الأوساط المهنية هو ما إذا كانت هناك مشاكل تدبيرية تعيق استمرارية الإصلاحات في القطاع، فبينما تؤكد بعض الأطراف وجود مجهودات كبيرة لتطويره، يرى آخرون أن بيئة العمل أصبحت تعاني من ضغوط قد تدفع بالكفاءات إلى المغادرة.
وتشير معطيات متداولة إلى أن بعض المسؤولين الذين شغلوا مناصب حساسة في السنوات الأخيرة واجهوا صعوبات إدارية دفعتهم إلى مغادرة القطاع أو الانتقال إلى مؤسسات أخرى، مما يطرح تساؤلات حول مدى الاستفادة من الكفاءات الوطنية، أم أن هناك صراعات داخلية تعرقل ذلك.
في ظل هذه المعطيات، يجد المغرب نفسه أمام تحدي الحفاظ على مكانته كوجهة جوية آمنة ومتطورة، مما يستدعي إيجاد آليات لضمان استقرار الموارد البشرية داخل القطاع، وتوفير بيئة تحفيزية تتيح للكفاءات الوطنية المساهمة في تطويره بدل البحث عن فرص بديلة. والسؤال الذي يظل مفتوحًا: هل هناك رؤية استراتيجية تضمن استقرار هذا القطاع أم أن الوضع الحالي سيستمر، مما قد يؤثر على مستقبله؟