ليست كل الأيام متشابهة، فبعضها يترك أثرًا يتجاوز حدود الحدث نفسه ليصبح نموذجًا يُحتذى به في العمل الإنساني والتنمية المتوازنة، في سيدي سليمان لم يكن مجرد يوم آخر حين شهدت المدينة مبادرة تحمل في طياتها الكثير من الدلالات، حيث تم إنجاز عمل استثنائي لصالح ذوي الاحتياجات الخاصة، تجسيدًا للتوجيهات السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، الذي جعل من الاهتمام بهذه الفئة ركيزة أساسية في رؤيته لمغرب أكثر عدلاً وإنصافًا.
في هذا الإطار، أشرف إدريس روبيو، عامل إقليم سيدي سليمان، على تنفيذ مبادرة توزيع كراسي متحركة لفائدة الأشخاص في وضعية إعاقة، خطوة لم تكن مجرد عملية توزيع بسيطة، بل تجسيد لمفهوم التنمية المندمجة، وبعيدًا عن المشاهد التقليدية لمراسم التسليم، حرصت السلطات على أن تصل هذه الوسائل الضرورية مباشرة إلى منازل المستفيدين، في إشارة واضحة إلى أن الكرامة الإنسانية ليست موضوعًا للمجاملات البروتوكولية، بل مسؤولية تتطلب حلولًا عملية وواقعية.
هذه الكراسي ليست مجرد أدوات تنقل، بل نوافذ جديدة تفتح أمام المستفيدين آفاقًا واسعة، سواء في مجال التعليم أو العمل أو حتى الحياة اليومية البسيطة التي حولتها معاناة التنقل إلى تحدٍ مستمر، والمثير أن هذه الجهود لم تتوقف عند هذا الحد، بل جاءت متكاملة مع مشاريع تنموية أخرى تهدف إلى تحسين حياة الساكنة بشكل عام، وبينما كانت المبادرة الإنسانية تمضي قدمًا، شهد الإقليم في نفس اليوم انطلاقة مشروع حيوي آخر، يتمثل في بناء طريق جديد بجماعة عامر الشمالية، وهو ما يعكس نهجًا متكاملاً يربط بين التنمية الاجتماعية والاقتصادية.
وقد يبدو المشهد مجرد سلسلة من المشاريع لكنه في الحقيقة يعكس رؤية أعمق؛ رؤية تجعل من التنمية البشرية والبنية التحتية مسارين متوازيين نحو مغرب أكثر تكافؤًا، فليس المهم فقط منح الأشخاص ذوي الإعاقة وسائل التنقل، بل الأهم هو تهيئة بيئة تجعل من حركتهم أكثر سهولة واندماجهم أكثر سلاسة، وفي هذا السياق، يمكن فهم مشروع الطريق الجديد ليس فقط على أنه بنية تحتية، بل كخطوة نحو تقليص الفجوة بين المناطق، وربط المجتمعات ببعضها البعض في شبكة تجعل من الحياة أكثر انسيابية.
ما يلفت الانتباه في كل هذا هو أن هذه الجهود لا تأتي كردود فعل مؤقتة أو حلول ترقيعية، بل كجزء من استراتيجية طويلة الأمد تستمد روحها من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، التي تضع الإنسان في صميم أولوياتها، فهذا النهج يجعل من سيدي سليمان نموذجًا مصغرًا لما يمكن تحقيقه عندما تتضافر الإرادة السياسية مع العمل الميداني الحقيقي بعيدًا عن الخطابات الرنانة والشعارات الجوفاء.
ويظل السؤال المطروح: هل يمكن تعميم هذه الديناميكية على باقي الأقاليم؟ هل يمكن أن تصبح هذه الجهود قاعدة لا استثناء؟ الإجابة تكمن في استمرار هذا النهج، وتحويل هذه المبادرات من مجرد نقاط مضيئة إلى تيار عام يجرف معه كل مظاهر التهميش، فالتنمية الحقيقية ليست مجرد أرقام وإحصائيات، بل وجوه مبتسمة تنبض بالأمل، وشوارع مُمهدة تسير عليها أحلام الجميع بلا عوائق.