بين بلاد العم سام، القارة العجوز والمغرب.. قرار المحكمة الأوروبية يفتح أبواب التحدي والفرص

 

الكاتـب: رضـوان اللـه العطلاتـي

 

في عالم تشهد فيه موازين القوى تحولات متسارعة تنعكس مباشرة على التحالفات السياسية والاقتصادية، برز المغرب مرة أخرى كلاعب استراتيجي في المجتمع الدولي، وهو ما يؤكده تقرير حديث صدر عن إحدى أكبر المؤسسات البحثية الأمريكية “واشنطن لسياسة الشرق الأدنى”، يسلط الضوء على القرار الأخير لمحكمة العدل الأوروبية الذي ألغى اتفاقيات الزراعة والصيد البحري بين المغرب والاتحاد الأوروبي، وما يحمله هذا القرار من تداعيات على العلاقات الدولية للمملكة.

 

القرار الأوروبي استند إلى كون الاتفاقيات مع المغرب لم تأخذ بعين الاعتبار استشارة سكان الصحراء المغربية، مما يضع علامة استفهام حول قانونية هذه الاتفاقيات، وعلى الرغم من أن هذا ليس الحكم الأول الذي يصدر ضد اتفاقيات مماثلة، إلا أنه يمثل لحظة مفصلية في العلاقة بين المغرب والاتحاد الأوروبي، لذلك السؤال المحوري الآن هو: هل سيختار المغرب تعزيز شراكته مع الصين وروسيا أم سيتمكن من الحفاظ على التوازن مع أوروبا وأمريكا؟

 

التمعن في رد المغرب على القرار الأوروبي يكشف عن ثقة ملحوظة، فقد أكد أنه لن يقبل بأي اتفاقيات لا تحترم سيادته ووحدته الترابية، هذه الثقة نابعة من تقدمه في القضية الصحراوية على الساحة الدولية، خصوصا بعد اعتراف إدارة ترامب بسيادته على صحرائه، ولكن مع إدارة بايدن، التي كانت أقل حماسًا لهذا الاعتراف، يبقى السؤال قائما حول مستقبل الدعم الأمريكي.

 

وفي الوقت الذي تتصاعد فيه التوترات بين الغرب وخصومه التقليديين، تبدو الصين وروسيا مستعدتين لملء أي فراغ قد يتركه الاتحاد الأوروبي في المغرب، فتقارير تشير إلى أن روسيا جددت اتفاقية صيد بحري مع المغرب، فيما وقعت الصين على مذكرات تفاهم للاستثمار في مشاريع الطاقة المتجددة، بما في ذلك الهيدروجين الأخضر. ومع ذلك، فإن أي تقارب مغربي مع الصين أو روسيا قد يثير حفيظة الغرب، خاصة الولايات المتحدة التي تخوض حربًا تجارية شرسة مع بكين.

 

بناء على ما سبق ذكره؛ الاتحاد الأوروبي يواجه تحديًا صعبًا، فهو مطالب بإيجاد صيغة قانونية جديدة تضمن استمرار الشراكة الاستراتيجية مع المغرب دون المساس بقرارات المحكمة، ومع أن تصريحات مسؤولي الاتحاد الأوروبي عقب القرار أظهرت دعمًا قويًا للمغرب، معتبرين العلاقة معه “استراتيجية”، يطرح مجددا سؤال مشروع: هل يكفي هذا الدعم للتغلب على العوائق القانونية والسياسية؟

 

على مستوى آخر، التقرير الأمريكي يشير إلى أن عودة ترامب إلى البيت الأبيض قد تشكل نقطة تحول في العلاقات الأمريكية المغربية، وتوقعات تشير إلى احتمال اتخاذ خطوات ملموسة لدعم السيادة المغربية على الصحراء، من قبيل فتح قنصلية أمريكية في الداخلة، وهذا السيناريو قد يعزز الاستثمارات الأمريكية في المغرب.

 

وفي خضم هذه التطورات، يبدو أن المغرب مصمم على السير بثبات نحو تحقيق مصالحه، سواء عبر تعزيز شراكته مع أوروبا وأمريكا، أو عبر الانفتاح على الصين وروسيا، حيث يبقى الهدف الأسمى هو الدفاع عن الوحدة الترابية ودفع عجلة التنمية الاقتصادية، لذا التحدي الآن يكمن في قدرة المملكة على إدارة هذا التوازن الدقيق في عالم متعدد الأقطاب.

 

يبدو أن قرار المحكمة الأوروبية ليس سوى حلقة جديدة في سلسلة طويلة من التحديات التي واجهها المغرب بثقة وحنكة، فهل ستتمكن الدبلوماسية المغربية من تحويل هذه الأزمة إلى فرصة لتعزيز مكانتها كجسر استراتيجي بين الشرق والغرب؟ الأيام القادمة ستحمل الجواب الشافي.

شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...