في حوار متميز أجرته إذاعة القناة الثانية مع حسن فرحان، رئيس وحدة قضايا الصحافة برئاسة النيابة العامة، برزت معالم جديدة لتحديد العلاقة الدقيقة بين حرية الصحافة والضوابط القانونية التي تؤطرها، فحديث فرحان جاء ليزيل الغموض عن قضايا شائكة تتصدر النقاش العام، مؤكداً أن القانون يضع حدوداً واضحة تحمي ممارسة الصحافة وتفرض الالتزام بمعايير مهنية محددة.
وأكد فرحان أن حماية الصحافة تظل مشروطة باحترام القانون 13.88 المتعلق بالصحافة والنشر، موضحاً أن المنشورات الرقمية التي لا تستوفي شروط الصحافة الإلكترونية لا تخضع لهذا الإطار القانوني، بل تصبح عرضة للتعامل معها بموجب القانون الجنائي، خاصة إذا تضمنت أفعالاً إجرامية، فهذه النقطة التي تبدو بديهية للبعض، تثير تساؤلات ملحة حول ما إذا كان مستخدمو المنصات الرقمية يدركون حقاً الفرق بين حرية التعبير العفوية والنشر المهني المسؤول.
كما شدد المسؤول القضائي على أن بعض مستعملي مواقع التواصل الاجتماعي يخلطون بين حرية التعبير والاعتداء على حقوق الآخرين، فهذه الحرية المضمونة بموجب الفصل 28 من الدستور المغربي، ليست تفويضاً مفتوحاً لفعل ما يشاء الفرد، بل هي ممارسة مؤطرة بواجبات قانونية تهدف إلى حماية كرامة الأفراد والحفاظ على النظام العام.
وأضاف فرحان أن النقاش الدائر حول محاكمة بعض الصحفيين بمقتضى القانون الجنائي ليس وليد اللحظة، فالعمل القضائي المغربي رسّخ سوابق واضحة في هذا المجال، حيث تُعتبر المنشورات عبر مواقع التواصل الاجتماعي في غالب الأحيان “نشرًا شخصيًا” يخضع للقانون الجنائي إذا تضمن إساءات أو افتراءات.
ومن بين النقاط اللافتة في حديث فرحان هو تأكيده على أهمية التواصل مع الرأي العام كجزء لا يتجزأ من استراتيجية النيابة العامة، إذ أوضح أن التواصل الإعلامي ليس مجرد مبادرة عابرة، بل هو مسألة منظمة بموجب القانون، يتولاها ناطق رسمي باسم النيابة العامة، بهدف ضمان الشفافية ومواجهة الإشاعات المغرضة.
على مستوى آخر وجه فرحان رسالة غير مباشرة إلى مستخدمي المنصات الرقمية مفادها أن حرية التعبير ليست بطاقة مجانية للإساءة أو التشهير، بل مسؤولية تقتضي إدراك الخط الفاصل بين التعبير الحر والنشر المسؤول.
هذا الحوار، الذي يسلط الضوء على أبعاد متعددة لقانون الصحافة والنشر، يطرح تساؤلات عميقة عن مستقبل الإعلام الرقمي في المغرب، فهل نقترب من وضع معايير جديدة تضمن توازنًا بين حرية التعبير واحترام القانون؟ الإجابة قد تتضح مع مرور الوقت، لكن الأكيد أن الحوار المفتوح بين النيابة العامة والرأي العام يشكل خطوة في الاتجاه الصحيح.