مقال صحفي : المسرح المغربي … إلى أين ؟
للأستاذ الناقد : عبدالله المتقي .
العالم 24.يلاحظ المتتبع والمتتبعة للشأن الثقافي خاصة المسرح ، أن عقارب ساعة أب الفنون قد توقفت إن لم نقل أنها تدور بشكل معاكس، باستثناء بعض المحاولات التي تصارع من أجل البقاء هنا وهناك .
فلماذا ؟ وكيف ؟ أين راحت جاذبيته ، وهيبته ، وجودته ، ومكانته وسط النسيج المجتمعي المغربي ، العاشق والمتذوق ، ولم يعد يلعب دوره الاجتماعي والثقافي والتربوي المنوط به حيث تحول إلى قلعة مهجورة ، تتهاوى في أرجاءها أطلال ديكورات متلاشية ، يلون الظلام ستائرها المطرزة ، يسيطر عليها الصمت القاتل حيث يتجول بين ردهاتها حراس الأمن وعمال النظافة ، والاداريون ، غاب عنها الجمهور، والطرقات الثلاث والكلمة الهادفة ، والتصفيقات ، تحكمها المناسبات المتناثرة خلال السنة ، وبعض الحفلات ، قد تجد اليوم في بعض الأحيان والأماكن قاعات مجهزة بأحدث المعدات من مكيفات ، ومقاعد رفيعة ، وخشبات مزودة بآخر مستجدات التقنيات المرتبطة بالإنارة والصوت ، وبنية تحتية جيدة ، ، لكن أين هو الجوهر ؟ أين هو العرض المسرحي ؟ أين هو الجمهور؟
حاولت الوزارات المتعاقبة أن تنقذ ما يمكن إنقاذه ، و تعالت الأصوات المنددة بالإهمال الذي طال أب الفنون شكلا ومضمونا ، عندها حاول المسؤولون عن الشأن الثقافي دعم المسرح ماديا من خلال برامج تروم الدعم المالي واللوجستيكي ، وصرفت ميزانيات محترمة من المال العام ، لكنها لم تغير من الواقع الشيء الكثير ، وبرزت بعض المبادرات الهادفة إلى حلحلة الركود من خلال الاستنجاد بالتلفزة كمحاولة ” التلفزة تتحرك ” لكن أغلب هذه المحاولات جاءت محتشمة ، إن لم نقل فاشلة ، و الأنكى من ذلك أن أن التلفزة عرت الواقع المسرحي الضعيف من خلال عروض هزيلة لا تحقق أدنى مستويات الفرجة ، والثقافة المنشودة ، وزادت من تدمر الجماهير المتعطشة من المستوى الذي آل إليه المسرح .لدرجة أن معظم العروض المسرحية المصور بثت في ساعات متأخرة من الليل ، ولم تعد تطمع بلحظات من مسرح راق ، ومتميز، ومعبر، و رمت بهم إلى دوامة العزوف و الاستهجان ، أعتقد جازما أن الأسباب في ذلك تعود في إلى :
- عدم الاستفادة من خريجي المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي (ISADAC)، الذي أنشأ منذ سنة 18 يناير 1985 تحت وصاية وزارة الشباب والثقافة والتواصل، من أجل التخصص في تكوين أطر عليا في مهن التمثيل، الإخراج والنقد المسرحي والتلفزيوني بالإضافة للكتابة المسرحية وكذلك سينوغرافيا الديكور وتقنيات الخشبة وتكوين أساسي في التنشيط الثقافي، مع تكوينات فرعية مثل فن العرائس والملابس والإنارة والصوت، ،على العموم يهدف هذا التكوين إلى إعداد أطر متخصصة في مجال الفن المسرحي والتنشيط الثقافي ( تقريبا ما يزيد عن 10 أفواج) ، لكن نظرا لغياب الشروط اللازمة لن يتمكن الخريجون من القيام بواجبهم بشكل صحيح ، فتعدد المهام ، وقلة الموارد البشرية المساعدة ، والجمع بين وظائف إدارية بحتة ، وأعمال فنية تبرز أهليتهم ، وإمكاناتهم التي يجب أن يستفيد منها الجمهور، وتنتشر من خلالها الجمالية والذوق الرفيع والترفيه المطلوب .
- عدم مراجعة مناهج وطرق التدريس المعتمدة داخل هذه المؤسسة للوقوف على مدى أجرأة المكتسبات الفنية والعلمية والعملية على أرض الواقع . وتحيينها بشكل يتطابق مع المستجدات الأدبية ، والتكنولوجية
- عدم الاهتمام التفكير في تقوية دور الجمعيات المسرحية الجادة والمؤسسات الخاصة المسؤولة في مجال المسرح بشكل يروم تثمين المبادرات والابداعات بعيدا عن الغوص في متاهات كثرة الوثائق والاهتمام بالشكل أكثر من المضمون . وتغييبها في حضور التظاهرات والمهرجانات والورشات التكوينية. و وضع تسعيرة تصل إلى 4000.00 درهم أو أكثر للعرض الواحد علما أن هذا المبلغ قد يتجاوز المنحة السنوية .
- عدم الاهتمام بالمفكرين والكتاب والمؤلفين المسرحيين ، و البحث عنهم ، ودعمهم ، فالأزمة في مسرحنا ، هي أزمة نص مسرحي بالدرجة الأولى ، تحتاج إلى الاستفادة المتبادلة من تجارب ، والخبرات المتراكمة ، لأن النص أساس الزاوية ، والنص الجيد والمتقن يساعد على إعطاء عمل مسرحي متميز .
- غياب دور حقيقي للمسرح المدرسي والجامعي رغم تجربة ” مدرسة الفنون بالمؤسسات التعليمية ” وتجربة ” المهرجان الدولي للمسرح الجامعي ” بمختلف أكاديميات التربية والتكوين . والجامعات ، صحيح أن هذه المؤسسات تجتهد وتثابر من خلال برامج مسطرة ، ومبادرات شخصية وانفرادية أحيانا . حسب الإمكانيات المتاحة بين مزدوجتين ، لكنها لا زالت تنحصر في خانة تعليمية ، لم ترق بعد للمساهمة فرض وجودها كلون فني متميز له مكانته في المشهد المسرحي المغربي العام
- طغيان المجال السمعي البصري بكل أشكاله من إذاعة وتلفزيون وسينما ، وانتشار آفة الهواتف الذكية
وتفصيل كل سبب سيأتي إن شاء الله في قادم الأيام ، لأن دائما للمقال بقية .