التصوف المغربي.. مدرسة روحية تجمع بين الأخلاق والإنسانية

التصوف هو منظومة أخلاقية وقيمية تسعى لتربية النفس والرقي بها بعيداً عن المظاهر السطحية والمفاهيم الشعبية الخاطئة التي ارتبطت به في أذهان الكثيرين، فالهدف من التصوف ليس الفولكلور أو الاختلاط العشوائي بين الرجال والنساء كما يحدث في بعض المناسبات، بل هو مدرسة روحية تركز على التزكية والإصلاح، وهنا تبرز أهمية استحضار آراء العلماء والأساتذة لتبيان أن التصوف الحقيقي هو علمي وعملي، يهدف إلى تنقية الروح وإصلاح النفس، وليس مجرد تبعية لشيوخ أو صحبة عشوائية.

التصوف هو علاقة تتأسس على القيم الإسلامية الأصيلة، وهو مبني على مبدأ “فسأل به خبيرًا” الذي يعني؛ البحث عن المعرفة الحقيقية من أهل الخبرة، كما أن قول الله سبحانه وتعالى: “يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين”، يوضح أن الصدق والإخلاص هما أساس هذه العلاقة، ومن هدا المنطلق فالمغرب كان ولا يزال أرضًا للصالحين، كما كان المشرق مهبطًا للأنبياء. وفي هذا السياق، نجد أن الأرض المغربية ليست مجرد تربتها التي تُعطي الخيرات، بل إنها تُنبت أيضا القيم الأخلاقية السامية كالجود والكرم والمحبة.

وخير مثال على ذلك الكرم باعتباره جزء لا يتجزأ من ثقافة المغاربة، فعندما يأتي ضيف إلى بيت مغربي، يُستقبل بكرم وسخاء، وهذه الخصائص الأخلاقية نجدها متجذرة في تاريخ البلاد منذ عهد أبو العباس السبتي، أحد رموز التصوف والجود في مراكش، حيث كان يجسد ثقافة “الجود الوجودي”؛ أي أن الجود ليس فقط من منطلق مادي بل هو أداة للتواصل الروحي والتفاعل الإنساني العميق.

هذا تحديدا ما يميز التصوف المغربي، فهو ليس مجرد مدرسة للتعبد بل هو أيضًا مدرسة للأخلاق والإنسانية، وتفعيل لمنظومة القيم مثل الصدقة والجود كوسيلة لدفع البلاء وجلب البركة، وفي الوقت الذي تجد فيه العديد من المجتمعات الغربية تعاني من فراغ روحي وأزمات وجودية، نجد أن التصوف المغربي يقدم حلاً لمثل هذه الأزمات، لأنه لا يتعامل فقط مع الجانب الروحي بل يربط الروح بالحياة اليومية، بالكرم والعطاء والتواصل الإنساني.

ولعل هذا هو السبب في أن المغرب أصبح وجهة مهمة للعديد من الأجانب الذين يبحثون عن المعنى الروحي، فقد زار العديد من الأمريكيين والكوريين والأفارقة والأوروبيين مداغ وغيرها من المناطق الصوفية في المغرب، ووجدوا فيها ملاذًا يعيد إليهم الشعور بالسلام الداخلي، هؤلاء الأشخاص الذين يعيشون في مجتمعات متقدمة علمياً وتقنياً، يشعرون غالبًا بفراغ روحي لا يمكن للمال أو التكنولوجيا ملؤه، وهذا ما يقدمه التصوف؛ توازن بين الحياة الروحية والمادية.

إن القيم الروحية المغربية ليست مجرد موروث بل هي جزء من نسيج المجتمع، فالأسرة المغربية؛ على سبيل المثال لا الحصر، ما زالت تعكس تلك القيم من خلال الاحترام والمحبة بين أفرادها، وهذا هو السبب في أن فكرة التفكك الأسري ودور العجزة التي انتشرت في الغرب لم تجد لها موطئ قدم هنا، فالأسرة تبقى دائمًا مكانًا للدفء والحب، وهذا يعكس ارتباط المغاربة بالجوانب الروحية العميقة التي تعتبر من الأسس التي يقوم عليها التصوف.

 

المصدر: Alalam24

شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...