بقلم : هاني المنصوري
لاتزال مقاهي الشيشة “النرجيلة” في المغرب تسبح في منطقة رمادية بين المنع والتغاضي، في ظل غياب إطار قانوني صريح ينظم نشاطًا آخذًا في التوسع، حتى غدا واقعًا اجتماعيًا لا يمكن إنكاره. هذا الوضع يطرح تساؤلات ملحة حول أسباب التأخر في تنظيم قطاع بات جزءًا من الحياة اليومية، في وقت اختارت فيه العديد من الدول تقنينه ضمن ضوابط صحية وأمنية دقيقة.
في عدد من البلدان، أُدرج تقديم الشيشة ضمن الأنشطة المرخص لها، بشرط احترام معايير صارمة تشمل جودة التهوية، مساحة المحل، المسافات الفاصلة بين الطاولات، ونوعية المواد المستخدمة. أما في المغرب، فيبقى التعامل مع هذا الملف متسمًا بالحذر، ما أدى إلى انتشار فضاءات تشتغل خارج أي تأطير قانوني، بما يحمله ذلك من مخاطر صحية، أمنية، واقتصادية.
ويفرض الوضع الراهن اعتماد دفتر تحملات واضح وصارم يحدد شروط منح التراخيص، من بينها منع الترخيص للمقاهي الواقعة تحت العمارات السكنية أو قرب المؤسسات التعليمية والمصحات، مع فرض مسافات فاصلة محترمة بين المقاهي المخصصة لتقديم الشيشة، كما ينبغي أن يتضمن الإطار التنظيمي بندًا صريحًا يمنع ولوج القاصرين إلى هذه الفضاءات، حمايةً لسلامتهم الجسدية والنفسية.
وقد تحوّلت فضاءات الشيشة إلى نشاط اقتصادي متكامل، يؤمّن مصدر دخل لعدد كبير من العاملين في مجالات متعددة، من بينها تقديم الخدمات، الأمن الخاص، النظافة، والتسيير، وإن تنظيم القطاع بشكل عقلاني سيسهم في الحفاظ على هذه المناصب، ويوفر الاستقرار الاجتماعي لشريحة تعتمد على هذا النشاط كمورد رزق رئيسي.
ولا يمكن الحديث عن تقنين الشيشة دون الإشارة إلى ضرورة إخضاع مادة المعسل لمراقبة صارمة من قبل الجهات المختصة، بما يضمن جودة المواد وسلامة المستهلكين، ويحد من تداول منتجات مغشوشة أو ضارة بالصحة العامة.
إضافة إلى ذلك، فإن استعداد المغرب لاحتضان تظاهرات رياضية كبرى، مثل كأس إفريقيا للأمم 2025 وكأس العالم 2030، يستوجب توفير فضاءات قانونية تستجيب للمعايير الدولية.
ومن جانب آخر، يحرم غياب التقنين خزينة الدولة من مداخيل ضريبية مهمة يمكن تحصيلها عبر رسوم التراخيص والمراقبة الجبائية، ما من شأنه دعم ميزانيات الجماعات المحلية والمساهمة في تمويل مشاريع اجتماعية وتنموية ذات أولوية.
إن تقنين الشيشة في المغرب لم يعد ترفًا أو خيارًا مؤجلاً، بل أصبح ضرورة ملحّة تفرضها التحولات الاقتصادية والاجتماعية. فتنظيم هذا القطاع يضمن حماية الصحة العامة، وصون الحقوق الاجتماعية للعاملين فيه، كما يعزز صورة المغرب كدولة مؤسسات تحترم القانون وتواكب دينامية مجتمعها.