الكاتــب: رضــوان الله العطلاتــي
في زاوية نائية من إقليم تارودانت، تحتضن الأرض ألمًا عميقا وتفقد معها أصواتًا كانت تروي أكثر من قصة؛ حادث مأساوي هزّ أركان نفق سد المختار السوسي، حيث طويت صفحة أخرى من معاناة العمال في الأنفاق، بعد انهيار مفاجئ أسفر عن ضحايا تباينت بداياتهم لكن نهايتهم كانت واحدة، بينهم قريب “خال” لحسن السعدي، كاتب الدولة المكلف بالصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني.
في طرفة عين فقدت أرواح وتغيرت مصائر، تاركة أثرها في نفوس من كانوا يناضلون في الخفاء، فالنفق الذي من المفروض أن يكون شاهدًا على مشروع يحمل شعلة أمل للمنطقة، قدر له أن يشهد على قصور يتكرر مع مرور الزمن؛ لماذا تسقط أرواح كأوراق الخريف في أماكن كان يُفترض أن تكون رموزًا للتنمية؟ لماذا تغيب شروط السلامة عن مواقع العمل، تاركة العمال في مواجهة الموت، وكأن حياتهم لا تأخذ في الحسبان؟
المأساة لم تكن مجرد حادث عابر يُضاف إلى السجل المظلم للحوادث المهنية، بل هي صرخة تدعو الجميع إلى مواجهة الواقع بجرأة، فالمعطيات الرقمية لا تعكس إلا القليل؛ آلاف الأرواح تضيع كل عام في ظروف مشابهة، بينما الحديث عن تحسين شروط السلامة يظل مجرد شعارات تتلاشى مع صدى الأخبار؛ فهل تستحق أرواح هؤلاء العمال أن تكون مجرد أرقام تنضاف إلى التقارير السنوية؟ أم أن الوقت قد حان لتحريك عجلة التغيير؟
الحزن لم يكن حكرًا على عائلة السعدي فقط؛ فالمنطقة بأكملها توشحت بالألم والأسى؛ هؤلاء العمال الذين يسعون لتحصيل لقمة عيشهم بشرف، يستحقون أكثر من التعازي، هم أبطال واجهوا قسوة الظروف دون صوت ينصفهم أو قانون يحميهم، فهل سينصفون بعد رحيلهم ويتوقف نزيف الأرواح؟
الحادث الأخير يجب أن يشكل نقطة تحول، لا مجرد عنوان في الصحف، إنه دعوة مفتوحة لمراجعة الواقع، حيث لا يكفي التعويض عن الخسائر، بل يجب أن تُطرح أسئلة جادة حول من يتحمل المسؤولية؛ لماذا تُترك مواقع العمل دون رقابة صارمة؟ لماذا تتذيل الأرواح البشرية قائمة الأولويات؟
على عاتق الجميع، من مسؤولين وسلطات محلية وصولا للسلطة الرابعة، يقع عبء تغيير هذه الصورة المأساوية، فالحوادث ليست قضاءً محتمًا بقدر ما هي نتيجة لغياب الإجراءات الوقائية اللازمة، حياة الإنسان ليست مجرد رقم، وكل دقيقة تأخير في اتخاذ التدابير اللازمة تعني أن الأرواح ما زال يتهددها الخطر.
ما حدث في نفق سد المختار السوسي ليس نهاية القصة، بل لعله بداية لوعي جديد يدفع نحو التغيير، تلك الأرواح التي غادرتنا دون وداع تركت وراءها رسالة واضحة: آن الأوان لنتحرك، قبل أن تُكتب فصول أخرى من الألم على صفحات هذه الأرض.