مكاسب الدبلوماسية الملكية الحكيمة.. تكريس لتسريع وتيرة الطي النهائي لملف النزاع الإقليمي المفتعل حول الصحراء المغربية
بقلم: الحسن لحويدك
بناء على العديد من المعطيات, شهدت قضية الصحراء المغربية بفضل الدبلوماسية الملكية المتبصرة الرصينة في الآونة الاخيرة تطورات و مكاسب مهمة، ستكون حاسمة على مسارها.
ومن أبرزها إعلان الولايات المتحدة الأمريكية في 10 دجنبر من سنة 2020، عن اعترافها بسيادة المملكة المغربية على اقاليمه الصحراوية الجنوبية، حيث اكدت دعمها لمقترح الحكم الذاتي الذي قدمه المغرب في سنة 2007 كحل واقعي وعادل و ذي مصداقية وجدوائية و دائم للتسوية النهائية للنزاع الإقليمي المفتعل حول مغربية الصحراء .
فبعد مرور خمس سنوات على الاعتراف الامريكي الذي شكل تحولًا مهمًا في السياسة الدولية تجاه قضية الصحراء المغربية، وشجع دولًا أخرى على اتخاذ مواقف مشابهة، من قبيل المانيا، إسبانيا و فرنسا ، يتبين ان الموقف المغربي على الساحة الدولية قد تعزز بشكل كبير ، إذ سجل هذا القرار تكريس التعاون بين المغرب والولايات المتحدة في مجالات متعددة بما في ذلك الأمن والاقتصاد والتكنولوجيا…
من جهة أخرى، يُتوقع أن يكون لهذا الاعتراف تأثيرات على عملية التسوية السياسية للنزاع المفتعل، حيث سيدفع الأطراف المعنية إلى الانخراط في مفاوضات جادة للتوصل إلى حل دائم و مقبول من الجميع، كما يُعزز هذا القرار من موقف المغرب في المحافل الدولية ، ويُظهر التزامه بالحلول السلمية والواقعية للنزاعات الإقليمية.
الأكيد ان الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء يعتبر، لا محالة، خطوة هامة نحو تسوية النزاع، ويُعزز من مكانة المغرب الدولية، مما يفتح آفاقًا جديدة للتعاون والتنمية في المنطقة .
فتنامي الدعم الدولي الملحوظ لسيادة المغرب على الصحراء في السنوات الأخيرة بوتيرة سريعة، جاء نتيجة تطور جهود دبلوماسية مغربية مكثفة واستراتيجية بناءة، حققت انتصارات باهرة بفضل الدبلوماسية الملكية الحكيمة ذات المواقف الصائبة تجاه قضايا دولية تأخذ فيها بلادنا موقف الحياد الإيجابي و عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول و احترام سيادتها، و تعاونها مع كل مبادرات السلام و التعاون، ما جعل المحللين ينعتونها بالدبلوماسية الناعمة، وهي دبلوماسيةً تواكبها دبلوماسية برلمانية و مدنية شعبية موازية، كما تعتمد على الحوارات الثنائية وتوضيح المبادرة المغربية للحكم الذاتي كحل واقعي ومقبول لهذا النزاع الإقليمي المفتعل.
و من أبرز تجليات و مظاهر الدعم الدولي، فتح قنصليات في الأقاليم الجنوبية، حيث قامت عدة دول بفتح قنصليات عامة لها في حاضرتي العيون والداخلة ، مما يعكس اعترافها العملي بسيادة المغرب على الصحراء، منصات قنصلية تناهز الثلاثين و مرشحة للارتفاع….
وفي هذا المضمار أيضا، وخلال الزيارة القصيرة للرئيس الصيني شي جين بينغ للمغرب، واستقباله من طرف ولي العهد الأمير مولاي الحسن بمطار محمد الخامس الدولي بالدار البيضا، بتكليف من الملك محمد السادس، أكد دعم بلاده الكامل لأمن واستقرار المملكة المغربية، مشددًا على رغبة الصين في تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين البلدين.
وقد اندرجت هذه الزيارة ضمن تعزيز العلاقات الثنائية، بعد سبع سنوات من زيارة الملك محمد السادس إلى الصين سنة 2016، والتي شهدت توقيع اتفاقيات تاريخية لتعزيز التعاون بين البلدين.
وفي هذا السياق، أفادت وسائل إعلام صينية بأن الرئيس الصيني عبّر عن استعداد بلاده للعمل مع المغرب في القضايا ذات الاهتمام المشترك، مع التركيز على تنفيذ نتائج قمة بكين لمنتدى التعاون الصيني-الإفريقي والمؤتمر الوزاري العاشر لمنتدى التعاون الصيني-العربي.
كما شدد شي جين بينغ على أهمية التعاون العملي في مختلف المجالات، خاصة في إطار مبادرة الحزام والطريق التي تسعى لتعزيز التعاون الاقتصادي وتطوير البنية التحتية.
وعلاقة بعمق الروابط التاريخية والسياسية بين الشعبين والقيادتين، عبر جلالة الملك محمد السادس والرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، خلال اللقاء الذي جمعهما بالقصر الملكي بالدار البيضاء، عن متانة العلاقات المغربية-الموريتانية و الرغبة المشتركة في تعزيزها على كافة المستويات .
وخلال هذا اللقاء، عبّر قائدا البلدين عن ارتياحهما للتقدم الذي تشهده الشراكة الثنائية، مؤكدين حرصهما على تطوير مشاريع استراتيجية تهم البلدين، من أبرزها مشروع أنبوب الغاز الإفريقي-الأطلسي ومبادرة تسهيل ولوج دول الساحل إلى المحيط الأطلسي. هذه المشاريع تعكس التزام المغرب وموريتانيا بالمساهمة في تعزيز التنمية والاستقرار في القارة الإفريقية.
كما يؤكد هذا اللقاء الإرادة القوية التي تجمع البلدين لتعميق التعاون وتعزيز التكامل الإقليمي، بما يخدم مصالح الشعبين الشقيقين ويُسهم في استقرار وتنمية القارة الإفريقية.
وقد اعتبر العديد من المهتمين بأن هذه المبادرة مفصلية نحو تعاون وتكامل شاملين في العلاقات بين البلدين، ودعوة صريحة لموريتانيا للخروج من موقف الحياد والاعتراف الكامل بمغربية الصحراء، بما يعزز دعم المملكة في إنهاء الخلاف الإقليمي المفتعل حول وحدتها الترابية.
اكيد ان هذه المنجزات الدبلوماسية، وفي مقدمتها اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية والدعم الأوروبي والإفريقي والدولي، شكل نقطة تحول نوعية و مفصلية كبيرة في قضية الوحدة الترابية للمملكة.
و جدير بالذكر أن الدول الإفريقية بالخصوص، تعتبر من أبرز المؤيدين للموقف المغربي، حيث ينتمي العديد منها إلى الاتحاد الإفريقي.
وفي هذا الإطار، استطاعت الدبلوماسية المغربية إقناع العديد من دول الاتحاد الإفريقي بالاعتراف بمغربية الصحراء، عبر إقامة قنصليات في مدينتي العيون والداخلة، ويتعلق الامر بـ21 دولة، وهي السنغال، جزر القمر، الرأس الأخضر، توغو، سيراليون، الكونغو الديمقراطية، غينيا بيساو، غينيا الاستوائية، غينيا كوناكري وبوركينافاسو، ليبيريا، جيبوتي، غامبيا، إلى جانب مالاوي والكوت ديفوار، مملكة اسواتيني، زامبيا، بوروندي، إفريقيا الوسطى، ساو تومي وبرينسيبي والغابون.
وفي سياق الزخم الذي أعطاه جلالة الملك لقضية الصحراء المغربية، ومن ثمار بداية سنة 2025، جمهورية غانا تقرر يومه 7 يناير تعليق علاقاتها الدبلوماسية مع “الجمهورية” الوهمية، ليصبح قطع أو علق 46 بلدا، من بينهم 13 بلدا إفريقيا، علاقاتها مع “الجمهورية الوهمية “، وذلك منذ سنة 2000 .
و الأكيد أن موقف جمهورية غانا يعتبر مؤشرا على عزلة وانحسار المشروع الإنفصالي تحديدا في إفريقيا وعبر العالم ؛ خاصة أن الكيان الانفصالي كان يعول على قلعة غانا لترويج اطروحته المشروخة منذ الاعتراف المتسرع ب ” الجمهورية ” الوهمية ، سنة 1979.
وفي السياق نفسه، تواصل الأمم المتحدة في اعتبار مبادرة الحكم الذاتي المغربية أساسًا واقعيا جادًا وذا مصداقية لحل النزاع المفتعل، مع الدعوة لمواصلة المفاوضات بين الأطراف للتعجيل بالطي النهائي لهذا النزاع المصطنع الذي طال أمده، وكرس واقعا إنسانيا مأساويا بمخيمات تندوف بإملاءات و دعم النظام العسكري الجزائري التوسعي الجائر.
و تنبغي الإشارة في هذا المضمار أن من بين أسباب هذا الدعم المتنامي توفر عدة عوامل أهمها: الدبلوماسية الملكية الفعالة التي ركزت على تعزيز علاقات المغرب الثنائية وتوسيع شراكاته الاقتصادية مع مختلف الدول.
كما أت استقرار المغرب الإقليمي، يُنظر إليه كشريك استراتيجي في مكافحة الإرهاب وتعزيز الأمن والاستقرار في شمال إفريقيا، خاصة في ظل استمرار الجمود مع جبهة البوليساريو بإيعاز من النظام الجزائري الديكتاتوري.
و غني عن الذكر و البيان أن هذا التنامي وبوتيرة متسارعة في الدعم يعكس التحول في التوازنات الدولية والإقليمية، ويعزز موقف المغرب في السعي نحو حل دائم وطي نهائي لملف هذا النزاع .
هذه المواقف التي يتشبت بها المغرب في تسوية هذا الخلاف الإقليمي، مكنته من إشادة دولية واسعة لمقترح الحكم الذاتي، الرامي إلى حل بلا غالب و لا مغلوب, ويمكن سكان المنطقة من إدارة شؤونهم المحلية في إطار السيادة الوطنية المغربية والوحدة الترابية في سياق ضمان احترام حقوق الإنسان وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المنشودة.
و لعل من أبرز مظاهر هذه الإشادة الدولية، دعم الأمم المتحدة ، حيث اعتبرت أن مقترح الحكم الذاتي يشكل أرضية صلبة وأساساً جدياً وموثوقاً للمفاوضات، ويحقق الاستقرار و التنمية في المنطقة التي هي تتواجد على صفيح ساخن، وساحة حقول الغام قابلة للانفجار في كل لحظة جراء انتشار ظاهرة الإ_رهاب و الاتجار بالبشر والمخد_رات و الهجرة السرية والجر_يمة العابرة للقارات، شريطة حضور وانخراط الجزائر لأنها لحاضن و الداعم العلني للطرح الا_نفصالي و الكيا_ن الو_همي.
و إن المقترح المغربي لمبادرة الحكم الذاتي، وهو أعلى سقف للتفاوض، و لاشىء غيره، مقترح يتميز في عمقه و جوهره بتوفير إطار يضمن المشاركة الديمقراطية لسكان المنطقة مع الالتزام بحماية الخصوصيات الثقافية والاجتماعية، مما يعزز السلم والاستقرار في المنطقة ويضع حداً للنزاع الذي عمر أكثر من اللازم، ولم يعد معقولا ولا مقبولا تمطيطه من جهات لغرض في نفس يعقوب.
عموما، معطيات هامة على أرض الواقع، تتجلى في اقتراب الحسم النهائي لهذا النزاع ، من خلال التزايد الملحوظ لافتتاح تمثيليات القنصليات، وتحول حاضرتي الداخلة والعيون في الأقاليم الجنوبية للمملكة إلى منصة القنصليات، وهو ما يُعد اعترافاً صريحا ودعماً واضحاً لسيادة المغرب على كافة اقاليمه الصحراوية المسترجعة .
و من أبرز الدلالات التي يجسدها افتتاح القنصليات، ما يتمثل في زخم دينامية الدعم الدبلوماسي الواضح والصريح.
و الأكيد، اليوم و أكثر من أي وقت مضى، أن العديد من الدول تبنت المقترح المغربي للحكم الذاتي تحت سيادته، وهو ما يضمن الاستقرار والتنمية في المنطقة .
وغني عن الذكر و البيان ، أن افتتاح القنصليات يهدف إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية والسياسية بين المغرب وهذه الدول ، تأسيسا على مبدأ رابح رابح ، إضافة إلى تعزيز الشراكات في مجالات مثل التجارة والاستثمار والسياحة …
و جدير بالذكر أن الأهمية الاستراتيجية، تنم في طياتها عن عدة مكاسب نجمل أهمها في ما يلي :
– دعم قضية الصحراء المغربية دولياً :
و هذه الخطوة تزيد من عزلة خصوم الوحدة الترابية للمغرب.
– تعزيز دور الأقاليم الجنوبية كمراكز وأقطاب اقتصادية : الداخلة، على سبيل المثال، حيث تُعد بوابة للاستثمار في إفريقيا وتتمتع بموقع جيو استراتيجي مميز يجعلها مركزاً للتجارة البحرية والتنمية المستدامة، لاسيما ميناء الداخلة الاطلسي الذي سيعزز من تمكين وتقوية دول الساحل من الولوج إلى المحيط الاطلسي .
كما أن المشروع الاستراتيجي لأنبوب الغاز الأفريقي الأطلسي سيكون عاملا محفزا للتنمية الإقليمية والتكامل والاندماج الاقتصادي ما بين الدول المعنية، فضلا عن مساهمته في ربط القارتين الأفريقية والأوروبية.
والأكيد أن هذا التوجه الدولي يعزز موقف المغرب في حل النزاع بشكل سلمي ودبلوماسي، ويدعم استقراره الإقليمي.
– إقامة اوراش تنموية كبرى بجهات الصحراء المغربية :
فبخطى ثابتة و وتيرة متسارعة، تواصل المملكة المغربية بقيادة جلالة الملك محمد السادس، تنفيذ مشاريع تنموية كبرى في الأقاليم الجنوبية للمملكة والتي تهدف إلى تعزيز البنية التحتية وتحفيز الاقتصاد المحلي وكذا خدمة أهداف التنمية التي يعتبر الإنسان منطلقها وغايتها .
و لعل من أبرز هذه المشاريع على سبيل الذكر لا الحصر :
– الطريق السريع تزنيت-الداخلة: وهي تمتد على مسافة 1,055 كيلومترًا ، وتهدف إلى تسهيل حركة النقل وتعزيز الترابط بين الأقاليم الجنوبية وباقي جهات المملكة والعمق الإفريقي.
– ميناء الداخلة الأطلسي: يُعتبر هذا الميناء من المشاريع الاستراتيجية الكبرى التي ستعزز التبادل التجاري وتدعم الاقتصاد المحلي، ومن المتوقع أن يكون نقطة انطلاق للمغرب نحو باقي الدول الإفريقية عبر المحيط الأطلسي ، مع ٱستحضار المبادرة الملكية الاطلسية.
– ومن بين المشاريع الكبرى التي ستعمل باستمرار على تعزيز الروابط الاقتصادية والتجارية بين المغرب وعمقه الإفريقي، المناطق المستقبلية للتوزيع والتجارة في الكركرات وبئر كندوز، وربط مدينة الداخلة بالشبكة الوطنية للكهرباء.
– إنشاء محطة تحلية مياه البحر بالداخلة لضمان الأمن المائي للساكنة وسقي 5000 هكتار زراعية .
– مشاريع الطاقة المتجددة: حيث تسعى المملكة إلى تطوير مشاريع طاقة شمسية وريحية في الأقاليم الجنوبية، و من أبرز هذه المشاريع محطة نور ورزازات للطاقة الشمسية، التي تُعد من أكبر المحطات في العالم، بالإضافة إلى ذلك، يتم تطوير مشاريع طاقة الرياح في مناطق مثل العيون وبوجدور، لتعزيز إنتاج الطاقة النظيفة وتقليل الاعتماد على المصادر التقليدية.
– المناطق الصناعية: تم إنشاء عدة مناطق في الأقاليم الجنوبية، تهدف هذه المناطق إلى تحفيز الاستثمار وتوفير فرص العمل وتعزيز التنوع الاقتصادي.
وحري بنا أن نشير في هذا الصدد إلى أن هذه المشاريع تظهر بشكل جلي، التزام المغرب بتطوير منطقة الصحراء المغربية وتحقيق تنمية مستدامة تعزز من مكانتها الاقتصادية والاجتماعية.
وأشير ختاما ، وتأسيسا على ما سبق ذكره من معطيات إقليمية ودولية والمتزامنة مع سياق التوترات والتغيرات المتسارعة التي تشهدها العديد من المناطق في العالم، وعودة مجيئ الرئيس دونالد ترامب ليحكم الولايات المتحدة الأمريكية في ولاية ثانية، وترقب اندلاع ثورة فورية عارمة للمطالبة بدولة مدنية في الجزائر احتجاجا على النظام الفاسد والأوضاع الداخلية المزرية وتعطيل التنمية، وأيضا علاقات الخصومة مع فرنسا جراء تغيير موقفها لصالح المغرب حول قضية الصحراء المغربية، وتأمين المغرب اعتراف دول رئيسية بوحدته الترابية، بما في ذلك دعم دول تعاون الخليج و دول لاتينية، فضلا عن الإجماع الوطني وتماسك الجبهة الداخلية للشعب المغربي حول القضية الوطنية الأولى تأسيسا على ما سبق، فيما أوضحت المعطيات المذكورة عوامل إيجابية لتكريس وتعزيز دعم نصرة القضية الوطنية العادلة،ما سيجر المزيد من الانكسارات وخيبات الأمل للنظام الجزائري الجائر الذي أعاق مصالح التكامل والاندماج لصالح الأقطار المغاربية بسبب موقفه الأرعن، متمثلا في معاكسة الحقوق المشروعة للمغرب في وحدته الترابية، متشبثا بصحرائه التي هي قضية وجود لا حدود و تشكل أمنه القومي الاستراتيجي الذي لا محيد عنه، والحقيقة الثابتة إلى الأبد أن الصحراء في مغربها والمغرب في صحرائه، إلى أن يرث الله الارض ومن عليها.