إذا كنت تظن أن الدرك الملكي هو المِشْجَب الذي تعلق عليه كل المشاكل الأمنية التي تواجهك في الطريق السيار، فنبشرك بأن بعد الظن إثم، وأن ظنونك تجانب الصواب شكلا ومضمونا، فالحقيقة التي عليك أن تعيها، وإن كانت تحمل في طياتها نكهة فكاهية، هي أن الأمن في باحات الاستراحة شبيه بطبق “الطاجين” المغربي اللذيذ: نجاحه يتطلب مقاربة تشاركية، حيث الطاهي ومن يجلب الحطب ومن يشعل النار.. مسؤولون عن نجاح الأكلة.
لنبدأ من النقطة التي أفاضت الكأس، ذلك الحادث الذي أثار ضجة على وسائل الإعلام، حيث تعرض سائق شاحنة للاعتداء على مستوى الطريق السيار وعلى مقربة من الباحة، وفي ظرف قياسي نجح الدرك الملكي بالقنيطرة في إلقاء القبض على المتورطين؛ منطقيا هو أداء يستحق التصفيق، لكن هل يكفي؟ بالطبع لا، لأن ما نصبو إليه ليس فقط اعتقال الجناة بل منع وقوع الجريمة من الأساس، وهنا تحديدا تبدأ اللعبة المشتركة، في تفعيل المقاربة الوقائية.
ولأن من يستهويهم إلقاء اللوم على طرف واحد في المعادلة، نراهم متشبثين بالمثل المغربي ” طاحت الصمعة علقوا الحجام”، نذكرهم بأنه لا يمكن لأي دولة، مهما بلغت من التقدم، أن تضع رجل أمن خلف كل مواطن أو على باب كل سيارة، وحتى الدول التي حولت شوارعها إلى مسرح أفلام خيال علمي يعج بالكاميرات والروبوتات، لا تزال تعتمد على شيء بسيط للغاية: مسؤولية المواطن، فالسائق الذي يترك سيارته مفتوحة وممتلئة بالنقود والمجوهرات ثم يتساءل عن غياب الأمن، كمن يترك باب الثلاجة مفتوحاً ويتوقع أن لا يأكل القط الطعام.
فالطريق السيار معادلة صعبة لها أطراف على رأسهم الشركة الوطنية للطرق السيارة، يليهم أصحاب الباحات، دون نسيان مستعملي الطريق، الكل مسؤول عن “الطاجين”، فالجهود عليها أن تتظافر لتأمين باحات الاستراحة، حيث تبرز ضرورة تجهيزها بإنارة قوية، وكاميرات مراقبة متطورة، وحراس أمن مدربين، هل نتحدث عن كلفة مادية مهمة؟ نعم، لكنها أقل تكلفة من الفوضى التي قد تنجم عن غياب الأمان.
أما عن المواطن، فهو يمثل آخر عنصر في هذه المعادلة، فإن لم يكن السائق واعياً ومدركاً لدوره في حماية نفسه وممتلكاته، فإن كل الجهود المشتركة تصبح في مهب الريح مثل محاولة إصلاح قارب مثقوب.
الدرس هنا واضح وبسيط: الأمن في باحات الاستراحة على الطرق السيارة ليس مهمة الدرك وحده، بل هو مسؤولية تبدأ من المواطن، تمر عبر أصحاب الباحات، وتنتهي عند الشركة الوطنية، وبدون هذا التعاون، ستظل الطرق السيارة ساحة للتحديات التي يمكننا تفاديها بقليل من التنظيم والكثير من الوعي.
خلاصة الكلام، الأمن لا يصنعه فرد واحد ولا جهة واحدة، بل هو سيمفونية يتعاون الجميع لعزفها، السؤال الحقيقي ليس “أين الأمن؟” بل “أين دورك أنت في تحقيقه؟”.