الكاتـــب: رضــوان اللــه العطلاتــي
تتجه الأنظار في الأوساط السياسية والإعلامية نحو بغداد وواشنطن وسط تقارير تفيد بأن الولايات المتحدة والعراق قد توصلا إلى اتفاق لسحب تدريجي للقوات الأمريكية من العراق على مدار العامين المقبلين. وبينما تشير التصريحات الرسمية إلى بدء تنفيذ خطة انسحاب محددة، يبدو أن هناك اختلافًا كبيرًا بين موقف الحكومة العراقية والولايات المتحدة حول توقيت ودوافع هذا القرار. فبينما أعلن رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، أن العراق لم يعد بحاجة إلى وجود القوات الأمريكية على أراضيه، جاءت تصريحات السفيرة الأمريكية في العراق، إلينا رومانوسكي، لتؤكد أن التهديدات لأمن واستقرار العراق ما زالت قائمة.
منذ الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، تراجعت أعداد القوات الأمريكية من 130 ألف جندي إلى ما يقارب 2500 جندي حاليًا، في مواقع متفرقة تشمل معسكرات شمال العراق وقاعدة عين الأسد في الأنبار، إضافة إلى تواجد رمزي في بغداد. ورغم هذا الانخفاض، فإن الحديث عن الانسحاب الشامل يشوبه الحذر، خاصة بعد انسحاب مفاجئ من أفغانستان وانسحاب القوات الأمريكية من النيجر، مما أثار تساؤلات حول نوايا واشنطن الحقيقية في المنطقة.
من جهة أخرى، يرى محللون أن الوجود الأمريكي في العراق يتجاوز الاعتبارات الأمنية إلى حسابات جيوسياسية واستراتيجية أوسع. فوفقًا لديفيد بولوك، زميل برنامج برنشتاين بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، فإن الوجود الأمريكي في العراق يهدف بالأساس إلى التصدي للنفوذ الإيراني المتزايد، ومنع إيران من استغلال الثروات النفطية العراقية، كما يعتبر وجود هذه القوات عنصرًا حيويًا لحماية أمن إسرائيل ودول الخليج التي تستضيف وحدات عسكرية أمريكية.
ومع ذلك، فإن الدعوات لسحب القوات الأمريكية تصطدم بتعقيدات داخلية وخارجية، إذ يُعتقد أن الوجود الأمريكي في العراق يعزز الاستقرار النسبي وسط محيط إقليمي متوتر. فتركيا وإيران، وكلتاهما تمتلكان مصالح متضاربة في العراق، تراقبان عن كثب التحركات الأمريكية، حيث يخشى الأكراد من تخلي واشنطن عن دعمهم، بينما ترى دول الخليج في هذا الوجود ضمانًا لأمنها. ورغم الضغوط السياسية من بعض الأطراف العراقية لإظهار موقف قوي يُنهي الوجود الأمريكي، إلا أن الوضع العسكري والأمني المعقد في البلاد يضعف من قدرة الحكومة العراقية على تنفيذ ذلك.
على صعيد آخر، يعتبر انسحاب القوات الأمريكية، في حال حدوثه، بمثابة إعادة تموضع استراتيجي في المنطقة، حيث يمكن أن تستغل الولايات المتحدة انسحابها لإعادة توزيع قواتها بشكل يضمن مصالحها في الشرق الأوسط دون التورط بشكل مباشر. ومع احتدام المنافسة مع قوى أخرى كروسيا والصين، يمكن أن يكون الانسحاب الجزئي خطوة لإعادة ترتيب الأولويات العسكرية والأمنية للولايات المتحدة في إطار سياسة الانكفاء نحو الداخل.
لكن، هل يمثل الانسحاب الأمريكي نهاية لتدخلها في العراق؟ تشير الدلائل إلى أن الولايات المتحدة لا تزال تمتلك نفوذًا سياسيًا واقتصاديًا كبيرًا في العراق، يمكنها من التأثير على مسار الأمور دون الحاجة إلى وجود عسكري كبير. ويبقى السؤال: هل سيكون هذا النفوذ كافيًا لموازنة القوى في منطقة مليئة بالتناقضات والتحديات؟
يبدو أن الحديث عن انسحاب القوات الأمريكية من العراق أكثر تعقيدًا مما يظهر على السطح. فالوجود الأمريكي ليس مجرد قوة احتلال، وإنما جزء من استراتيجية أوسع للسيطرة على المنطقة، وضمان أمن حلفائها، والحد من نفوذ خصومها. وبينما تترقب الأوساط السياسية تطورات الموقف، فإن المستقبل لا يزال يحمل الكثير من المفاجآت في هذا الملف المعقد.
المصدز: Alalam24