في ظل تصاعد التوترات الإقليمية، يبدو أن الحادث الأخير الذي استهدف حسن نصر الله لم يكن سوى بداية لمشهد أكثر دموية وتعقيدًا في المنطقة، فمصادر متعددة تؤكد أن الأجواء تتجه نحو تصعيد شامل، حيث تلوح في الأفق بوادر حرب أهلية جديدة وتقسيم وشيك للبنان. هذه التوترات لا تقتصر على الداخل اللبناني فحسب، بل تمتد إلى سوريا المجاورة مع إشارات واضحة نحو استهداف دمشق ونهاية محتملة لوجود دولة مركزية في سوريا.
الحوثيون، كرد فعل مباشر على ما جرى لنصر الله، قرروا نقل المعركة إلى شرق المتوسط، مهددين الأمن القومي لمصر والمنطقة ككل. في الوقت نفسه، بدأت ميليشيات شيعية عراقية بتوجيه تهديدات صريحة للإمارات، حيث أعلنت تخطيطها لتنفيذ عمليات انتقامية، مدعية أن هذه الخطط تأتي نصرة للسيد نصر الله.
التحركات الإيرانية في المنطقة لا تقل خطورة، إذ أعلنت طهران عن فتح باب التسجيل لإرسال قوات مسلحة إلى لبنان وهضبة الجولان السورية، ما يشير إلى تغيير استراتيجي في طريقة المواجهة، حيث يتم ضخ ميليشيات جديدة تحمل تسميات متنوعة، بين “إسلامية”، “جهادية”، و”إرهابية”، بهدف ملء الفراغ المحتمل بعد سقوط حزب الله وحماس.
في بغداد، تشير التقارير إلى اجتماعات سرية لقادة الفصائل الموالية لإيران من العراق، لبنان، واليمن، بزعامة قائد فيلق القدس إسماعيل قاآني، بهدف تنسيق الجبهات. هذه الاجتماعات، وفقًا لمصادر لبنانية، تضمنت مناقشات حول نقل الفصائل العراقية إلى سوريا واستهداف إسرائيل والخليج العربي من هناك، ما يعكس حالة من القلق الإيراني من فتح الجبهة العراقية مباشرة.
أما الحوثيون في اليمن، فقد أصدروا بيانًا يشير إلى أن المعركة ستنتقل إلى شرق المتوسط، موضحين أن الهدف هو توسيع نطاق المواجهة ليشمل البحر المتوسط. لكن التداعيات الحقيقية لهذا التحرك ستؤثر بشكل أساسي على مصر، التي تعتمد على إيرادات قناة السويس، بالإضافة إلى تهديدات محتملة لمصر وسوريا ولبنان والأردن، وحتى تركيا.
الأمر يتجاوز التصعيد الميداني، ليصل إلى الجانب الاقتصادي. إذ أشار تقرير لصحيفة الشرق الأوسط إلى أن النزوح القسري لسكان جنوب لبنان قد أشعل أزمة إسكان، حيث قفزت أسعار الإيجارات إلى عشرة أضعاف، في ظل تهجير متعمد لنحو نصف مليون لبناني، مما قد يفاقم الأزمة الاقتصادية المتدهورة أصلًا في البلاد.
الوضع السوري، بدوره، لا يقل سوءًا، مع تزايد التحصينات في دمشق، وخوف متزايد من استغلال الأطراف المعادية لهذه الاضطرابات للتخلص من حكومة دمشق. يبدو أن أي انهيار للنظام السوري الحالي سيؤدي إلى تدفق هائل للميليشيات المسلحة نحو دمشق واللاذقية وطرطوس، مما يعزز سيناريوهات التقسيم.
على الجبهة الدولية، تتسابق القوى الكبرى لتثبيت نفوذها في المنطقة، وفي الوقت الذي تلوح فيه إسرائيل بتهديدات صريحة باستهداف أي تعزيزات إيرانية تصل إلى لبنان، تؤكد مصادر مطلعة أن طهران تسعى لتحويل لبنان إلى ساحة جديدة لصراع ميليشياتي طويل الأمد، مشابه للحرب الأفغانية في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي.
الخريطة اللبنانية بدورها تتعرض لإعادة تشكيل شاملة، حيث يبدو أن تقسيم لبنان إلى دويلات طائفية بات أكثر واقعية من أي وقت مضى. الدولة الأولى ستكون للشيعة، تضم البقاع والجنوب وضاحية بيروت الجنوبية، أما الدروز فسيكون لهم دولتهم في جبل لبنان، فيما سيتوزع السنة على محور صيدا – بيروت، وتضم الدولة المسيحية المتبقية أجزاءً من جبل لبنان وبيروت الشرقية.
السيناريو ذاته يبدو وشيكًا في سوريا، مع تقسيمات محتملة للدولة السورية إلى كيانات متعددة، في ظل تزايد النفوذ الكردي في الشمال والشرق، ومطالبات الدروز بدولة مستقلة في السويداء، مما يعمق من أزمة الانقسامات الإثنية والطائفية في المنطقة.
في هذا المشهد الفوضوي، يبقى المواطن هو الضحية الأكبر، حيث تتم التضحية به على مذبح المصالح الإقليمية والدولية. من سوريا إلى اليمن، مرورًا بلبنان والعراق، تتصارع الميليشيات والجيوش النظامية، في معركة مفتوحة بلا غالب ولا مغلوب، ما ينذر بفصول جديدة من الحروب والنزوح والفقر والدمار.
مع استمرار تصاعد هذه التوترات، يبدو أن المنطقة تتجه نحو مرحلة جديدة من الصراع، قد تستمر لعقود قادمة، ما لم تتدخل القوى الإقليمية والدولية لاحتواء الموقف ومنع انزلاق الأوضاع إلى حروب أهلية شاملة تمزق ما تبقى من نسيج المنطقة.
فهل نشهد ميلاد نظام إقليمي جديد من رحم هذه الفوضى؟ أم أن المنطقة ستدخل في دوامة لا نهاية لها من العنف والانقسامات؟
المصدز: Alalam24