كيف يتعامل الاعلام الغربي مع طوفان الاقصى

العالم 24..

تفرض التجربة العريقة والمتنوعة للإعلام الغربي سقف توقعات عاليا في ما يتعلق بمدى دقته وتوازنه في نقل وقائع معركة “طوفان الأقصى” وما تثيره من مواقف ووجهات نظر وما تستدعيه من معطيات لا غنى عنها في إضاءة المشهد واستكشاف مساراته الماثلة والمحتملة.

على أرض الواقع بدت المسافة واضحة بل وفجة بين التقاليد والقيم التي يقول الإعلام الغربي إنه يتحرك ضمنها ويرى من خلالها تطورات المشهد في الشرق الأوسط، وما أنجزته منابر إعلامية غربية على أرض الواقع من حوارات ثنائية وأوسع تناولت المستجدات الساخنة والدامية الدائرة هناك.

دون تعميم مخل بوسعنا القول إن الإعلام الغربي الذي تضاءلت مساحة الاهتمام لديه بالحدث الفلسطيني حتى اكتفى في أغلب الأحيان بأخبار قليلة ذات طابع أمني، والذي اختزل قضية شعب وأرض في حوادث أمنية متفاوتة الأحجام لكنها معزولة أقرب لأقواس سرعان ما تغلق بعد أن تكون قد فتحت بهذه الحيثية أو تلك لأيام محدودة.

هذه المقاربة نزعت فعليا عن القضية الفلسطينية عناوينها الكبرى، فهي لم تعد قصة احتلال وسعي لاجتثاث شعب من أرضه، وهي ليست قصة ملايين من اللاجئين داخل أرضهم وخارجها، ولا هي قصة قهر يومي في سجن كبير يسمى غزة.

هي ليست كل ذلك وإنما مجموعات فلسطينية مسلحة تقوم بين حين وآخر باختراق الصمت المضروب حول وفاة مسار التسوية من خلال عمليات عسكرية هنا وهناك، دون إشارة بالقدر الكافي واللازم أصلا إلى جذور المشكلة والعقد المستحكمة فيها، والتي جعلت منها برميل بارود قابل للانفجار كل لحظة لهذا السبب أو لذاك.

سؤال يختزل قفزة هائلة

داخل هذه الذهنية وضمن هذا التأطير جاءت استضافات لشخصيات فلسطينية لتبادرها في ترديد شبه ببغائي لسؤال كاد يتكرر حرفيا وهو: هل تدين ما قامت به حماس بوصفه عملا إرهابيا استهدف مدنيين؟

قطعة مهمة من البحرية الأميركية وتخصيص فوري لثمانية مليارات من الدولارات في شكل دعم عسكري مباشر للجهد الحربي الإسرائيلي.

لم يكن ذلك هو أسوأ ما قام به الإعلام الغربي في أغلب ما خصصه لمتابعة معركة “طوفان الأقصى” بالخبر والتحليل، ففي مرات عدة كان المدعوون عبارة عن أعضاء في أوركسترا تعزف النغمة ذاتها، فتتعدد الزوايا لتكثف الصورة نفسها: إسرائيل في مرمى التهديدات الإرهابية!

ووسط جوقة المدعوين تجد من يتم تقديمه على أنه خبير في الشأن مهمته بسط توطئة معلوماتية تشمل معطيات وتعقيدات التاريخ والجغرافيا والاقتصاد والديمغرافيا، ولك أن تذهل لحجم المغالطات التي يتم تسريبها تحت غطاء من ألقاب علمية ومواقع أكاديمية رنانة تحكي في الواقع جهلا فادحا أو تجاهلا يلامس حد الإجرام في رسم صورة تقدم على أنها واقع، وما في الواقع بواقع

السؤال المشروع

ولعل السؤال المشروع والمطروح هنا هو التالي:

هل مثل هذا التعاطي الإعلامي حالات شاذة تحفظ ولا يقاس عليها؟ أم أنها منهج قائم يتم تفعيله كلما دعت الحاجة، والحاجة هنا خطر مهم يحيق بإسرائيل يستدعي تبييضا لصفحتها وترويجا من طرف ظاهر وآخر لسرديتها؟

وهل مثل هذا التعاطي هو مجرد سقطة مهنية من إعلام راكم تجربة طويلة في تغطية حروب عالمية ومعارك تحرر وطني وكوارث طبيعية؟ أم أن الأمر يتعلق بجوهر صلب يسكن العقل الغربي الباطن ويحكم تفكيره ويمنعه من مجاوزة خطوط حمراء ويجعله يدمن تكرار رواية يمكن وصفها بكونها “يهودية مسيحية”، طبعا دون وقوع في فخ التعميم والاستغراق عند استعمال التعبيرين؟

الحقيقة هي أن معركة “طوفان الأقصى” والتغطية الغربية لها أعادتا القضية الفلسطينية إلى سيرتها الأولى وفرضت استدعاء المحركات الأساسية لدوامة العنف بشكليه الاحتلالي والمقاوم، لتضع الجميع أمام معادلة أساسية تقول إن من يتغافل عن الأسباب لا حق له في أن يستاء من النتائج، ذلك أن عصر ملايين الناس في قمقم غزة وقهر أمثالهم في الضفة والشتات يتضمن حكما تداعيات ليس أقلها مقاومة المحتل وإيجاعه بكل الطرق الممكنة.

ولأي كان أن يجيل البصر في مختلف القنوات والمواقع الغربية ليجد أن دلائل “العمى” في النظر إلى واقع القضية الفلسطينية أكثر من أن تحصى، واللافت للانتباه هو أن المحاور الفلسطيني وبمجرد التذكير بجذور القضية يجد أمامه مذيعا يحاول وبضعف صارخ الرد على البرهان الفلسطيني ثم سرعان ما ينهي المقابلة، في مقابل لقاءات مع إسرائيليين يفسح مجال الزمن أمامهم مع مقاطعات شحيحة وخجولة لا تمنعهم من تزييف المشهد مجددا مرارا وتكرارا.

في مقابل هذه القاعدة التي تحولت سقطة في تجربة الإعلام الغربي تبرز هنا وهناك استثناءات قليلة ومحتشمة من بعض الشجعان الذين من حقهم الخوف على مصيرهم المهني لمجرد إفساح المجال أمام تفهّم الحق الفلسطيني، فضلا عن المفارقة الغربية الصارخة بين رفض الاحتلال الروسي لأوكرانيا، وتكريس وتزكية والتبرير للاحتلال الإسرائيلي لفلسطين.

العالم 24..

شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...