التعليم الاولي ودوره في بناء الرأسمال البشري

عبد الواحد بلقصري – العالم 24

يتألف الرأسمال البشري من المعارف والمهارات والقدرات الصحية التي يستثمر فيها الناس وتتراكم لدى الأشخاص على مدار حياتهم بما يمكنهم من استغلال إمكانياتهم كأفراد منتجين في المجتمع ،ويساعد الاستثمار في البشر من خلال توفير التغذية والرعاية الصحية والتعليم الجيد والوظائف والمهارات على تنمية الرأسمال البشري وهو أمر أساسي لإنهاء الفقر المدقع وبناء مجتمعات أكثر شمولا .

وقد أكد تقرير التنمية البشرية لسنة 2019 تحت عنوان الطبيعة المتغيرة للعمل على أنه مالم يتم تقوية الرأسمال البشري فلن يتسنى للبلدان مواصلة نموها الاقتصادي المستدام والشامل ولن تكون لديها قوة عاملة مؤهلة لشغل الوظائف التي تتطلب مستوى رفيعا في المهارة والكفاءة في المستقبل ولن تناقش بقوة في الاقتصاد العالمي ،وقد أكد التقرير على ان التنمية البشرية حققت مكاسب غير مسبوقة على مدى السنواتالخمسة والعشرون السابقة الماضية لكن ما تزال هناك تحديات خطيرة لاسيما بالنسبة للبلدان النامية من أهمها أن العديد من الأطفال يعانون من نقص التغذية.

وهناك أزمة في التعليم تعوق تقدم العديد من البلدان ،وتظهر البيانات أن سنوات التعلم التي تحصل عليها الأطفال في بعض البلدان كثيرة عن بلدان أخرى رغم استمرارهم في الدراسة لنفس المدة الزمنية ،دون أن ننسى أن جائحة كورونا أثرت بشكل كبير ،حيث أن توقف أكثر من مليار طفل عن الذهاب إلى المدرسة بسبب الجائحة وحدوث اضطرابات كبيرة في الخدمات الصحية الاساسية مثل التنطعيمات الروتينية والرعاية الصحية للأطفال ،كل هذا ساهم بشكل كبير في نقص المهارات والفرص ، وقد أطلق البنك الدولي مشروع رأس المال البشري وذلك لتوفير المجال السياسي لقادة الدول لتحديد أولويات الاستثمارات التي من شأنها إحداث تغييرات في مجالات الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية وقد ارتكز المشروع على محاربة الفجوات في رأس المال بين البلدان ،ومن جوانب الابتكار المهمة التي يتسم بها هذا المشروع أنه يقيس مدى إسهام الصحة والتعليم في إنتاجية الأفراد والبلدان بناءا على دراسات مناسبة دقيقة على مستوى الاقتصاد الجزئي .

ويعتبر المغرب من البلدان الرائدة التي راهنت على الاستثمار في الرأسمال البشري باعتبار ان المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي يمولها البنك الدولي والتي يعتبرها إحدى أهم المبادرات المبتكرة في العالم .

و تعد المبادرة الوطنية التي أعلن فيها صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله بتاريخ 18 ماي 2005 مشروعا اجتماعيا تنمويا وورشا ملكيا خاصا خلاقا ومبدعا و مفتوحا باستمرار وفلسفة رائدة تهدف إلى معالجة اشكاليات الفقر والإقصاء الاجتماعي والهشاشة ضمن استراتيجية شمولية ترتكز على البعد التراثي والمقاربة التشاركية مع مختلف الفاعلين المعنيين بالحقل التنموي ، وقد جاءت المبادرة لتغيير أنماط العمل الاجتماعي في البلاد من خلال فتح أفق جديد يرتكز على تطوير القدرات البشرية ، فبناءا على التجارب السابقة و معرفة أفضل بظواهر الاقصاء والفقر ، فإن هذه المبادرة تعكس إرادة سياسية على أعلى المستويات في الدولة لترسيخ سياسة سريعة وفعالة في مكافحة الهشاشة والفوارق الاجتماعية.

وقد جاءت لتقدم أيضا تغييرا نوعيا في الاسلوب ، لأنها ترتكز على مبادئ أساسية من قبل تحدي جيد للأهداف والمناطق والمستفيد ين أو إدماج سوسيو للتدخلات والبرامج مبادرة تستفيد من تمويل خاص ذو طابع مؤسسي.تأتي المرجلة الثالثة من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية الذي أعطى صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله انطلاقتها يوم 19 شتنبر 2018، حيث أشار الى أن هذه المرحلة ترتكز على مقاربةإرادوية متجددة تهدف إلى تحيصين وتعزيز المكتسبات مع إعادة توجيه البرامج سعيا للنهوض بالرأسمال البشري والعناية بالأجيال الصاعدة ودعم الفئات الهشة بالإضافة إلى اعتماد جيل جديد من المبادرات المذرة للدخل والمجددة لفرص الشغل.

ومن بين البرامج المهمة والمبتكرة التي جائت به هاته المرحلة نجد البرنامج رقم 4 الذي يعنى بالدفع بالرأسمال البشري للأجيال الصاعدة ويسعى يسعى هذا البرنامج إلى الاستثمار في الرأسمال البشري وذلك بالتركيز على المحاور التالية:

المحور الاول: تنمــــــــــــــية الطفولة المبكرة عبر تقوية نظام صحة الام والأطفال والمساهمة في محاربة سوء التغذية لدى الاطفال ودعم تعميم التعليم الاولي.

المحور الثاني: مواكبة الطفولة والشباب وذلك عبر تقوية الدعم المدرسي والنهوض بالصحة المدرسية .

وتدعيم الانشطة الفنية والثقافية والرياضية وتحسين المحــــــــيط المدرسي وظروف التمدرس عبر فضاءات الإيواء والمطاعم المدرسية والنقل المدرسي.

وقد انجزت في اطار هذا البرنامج العديد من المشاريع سواءا منها المتعلقة بالتعليم الاولي أو الدعم المدرسي أو الصحة المدرسية أو التوجيه المدرسي .وسوف نتطرق إلى الأثر الاجتماعي لهاته المشاريع في مقالات قادمة إن شاء الله .

في الأخير يمكن أن نخلص أن الاهتمام بالرأسمال البشري كما أكدت العديد من الدراسات يساهم بشكل كبير في تحقيق النمو الاقتصادي الذي بواسطته يمكن تحقيق الرفاه الإنساني عبر الرفع من مؤشرات التنمية البشرية .

ويشكل النهوض بالتعليم الأولي من أولويات إصلاح المنظومة التعليمية والتربوية بالمملكة، اعتبارا للإمكانيات التي يوفرها للأطفال في اكتساب كفاءات ذاتية وقدرات معرفية تمكنهم من النجاح في مسارهم الدراسي، وتجنبهم آفة الهدر المدرسي

كما أن التعليم الأولي يساهم في تحقيق تكافؤ الفرص بين الأطفال، خصوصا في الوسط القروي، حيث يشكل عدم استفادة هؤلاء من التعليم الأولي في سن مبكر، عاملا سلبيا يعوق مسارهم الدراسي ويحرمهم من إمكانات تنافسية هامة مقارنة مع الأطفال الذين سبق لهم أن استفادوا من التعليم الأولي.

و تتضمن الهيكلة التربوية الجديدة كلا من التعليم الأولي والابتـــــــــــــــــــدائي والإعدادي والثانوي والتعليم العالي، على أساس الجذوع المشتركة والتخـــــصص التدريجي والجسور على جميع المستويات؛وعندما يكون تعميم التعليم الإلزامي قد حقق تقدما بينا، ستحدد الروابط التالية، على مستويين البيداغوجي والإداري:

– دمج التعليم الأولي والتعليم الابتدائي لتشكيل سيرورة تربوية منسجمة تســـمى “الابتدائي”، مدتها ثمان سنوات وتتكون من سلكين: السلك الأساسي الذي سيشمل التعليم الأولي، والسلك الأول من الابتدائي، من جهة، والسلك المتوسط الذي سيتكون من السلك الثاني للابتدائي، من جهة ثانية ؛

و يرمي التعليم الأولي والابتدائي إلى تحقيق الأهداف العامة الآتية :

أ – ضمان أقصى حد من تكافؤ الفرص لجميع الأطفال المغاربة, منذ سن مبكرة، للنجاح في مسيرهم الدراسي وبعد ذلك في الحياة المهنية, بما في ذلك إدماج المرحلة المتقدمة من التعليم الأولي ؛

– اكتساب المــــعارف والمــــهارات الـــــتي تمكن من إدراك اللـغة العـربية والتـــعبير مع الاستئناس في البداية – إن اقتضى الأمر ذلك – باللغات واللهجات المحلية؛

– التواصل الوظيفي بلغة أجنبية أولى ثم لغة أجنبية ثانية وفق محتوى الدعامة التاسعة الخاصة باللغات؛

– استيعاب المعارف الأساسية, والكفايات التي تنمي استقلالية المتعلم؛

– التمكن من المفاهيم ومناهج التفكير والتعبير والتواصل والفعل والتكيف, مما يجعل من الناشئة أشخاصا نافعين, قادرين على التطور والاستمرار في التعلم طيلة حياتهم بتلاؤم تام مع محيطهم المحلي والوطني والعالمي؛

– اكتساب مهارات تقنية و رياضية و فنية أساسية, مرتبطة مباشرة بالمحيط الاجتماعي والاقتصادي للمدرسة.

و يلتحق بالتعليم الأولي, الأطفال الذين يتراوح عمرهم بين أربع سنوات كاملة وست سنوات، وتهدف هذه الدراسة خلال عامين إلى تيسير التفتح البدني والعقلي والوجداني للطفل وتحقيق استقلاليته وتنشئته الاجتماعية وذلك من خلال:

– تنمية مهاراته الحسية الحركية والمكانية والزمانية والرمزية والتخيلية والتعبيرية؛

– تعلم القيم الدينية والخلقية والوطنية الأساسية؛

– التمرن على الأنشطة العملية والفنية (كالرسم والتلوين والتشكيل، ولعـــــب الأدوار والإنشاد والموسيقى).

– الأنشطة التحضيرية للقراءة والكتابة باللغة العربية خاصة من خلال إتقان التعبير الشفوي, مع الاستئناس باللغة الأم لتيسير الشروع في القراءة والكتابة باللغة العربية.

وقد أكد المجلس الأعلى للتعليم مجموعة من الاعتبارات كما هو مـــــــــــحدد في الاستراتيجية الوطنية لمنظمومة التربية والتكوين تجعل من التعليم الاولي رافعة لنجاح منظومة التربية والتكوين :

-أن التعليم الاولي عماد تحسين الثروة البشرية عبر زيادة متوسط عدد سنوات الدراسة وأمد الحياة.

– أن البلدان التي استطاعت تعميم التعليم الأولي تمكنت من بناء منظومة تعليمية ناجعة ونموذج تنموي تنافسي .

– أن البلـدان التـي لديهـا مسـتوى ضعيـف فـي التعليم الاولي ، تعانــي مــن فــوارق كبــرى فـي تعلـم تالمذتهـا المتراوحـة أعمارهـم بيـن 18 ســنة، بنســبة 20 .%ممــا يســهم فــي 15و اتسـاع الهـوة بيـن األغنيـاء والفقـراء كلمـا تـم التقــدم فــي المراحــل اللاحقة من تعليم اجيال الغد.

– أن الاطفال ألطفــال المتراوحــة أعمارهــم بيــن أربــع سـنوات إلى حدود اسـتيفاء خمس سـنوات، هم الأكثر حاجــة لـــتنمية بنياتهــم الذهنية-العصبيــة، والتـــــــــعلــم بطــرق معرفيــة وتربويــة تركــز علــى المهــارات، وصقــل إدراكاتهــم الحســية-الحركية، وإبداعاتهــم، وتفتحهــم، وذكائهــم، وحســهم المجتمعــي، وشـــــخصيتهم، وأنمــاط ســلوكاتهم وقدراتهــم المعرفيــة والعاطفيــة والنفســية.

وقد وضع المجلس الأعلى للتربية والتكوين منظور بقطائـع نوعيـة، يضمـن ولـوج كافـة االأطفال المتراوحـة أعمارهـم بيــن أربــع ســنوات إلــى حــدود اســـــتيفاء الســنة الخامســة مــن العمــر، دون أي تمييــز، إلــى التعليــم الاولي، عصـــري وذي جــودة وجــذاب، وذلــك فــي أفــق العشــر ســنوات المقبلــة،وتمكيــن الطفــل مــن ولــوج الطــور االبتدائــي وهــو يمتلــك كافــــــــة الشــروط المؤهلــة للإدماج والنجــاح.

نخلص في الأخير الى الخلاصات التالية :

الخلاصة الأولى : أن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية لعبت دورا كبيرا في المساهمة من تعميم التعليم الأولي بجودة عالية وأداء بيداغوجي لشــــــــركاء متخصـــــصين في الموضوع ،وكان لإحداث وحدات التعليم الأولي أثر كبير على جودة العمـــــلية التربوية وعلى محاربة الهدر المدرسي ،كل هذا كان له اثر كبيلر على الإدمـــــاج السلس للأطفال في منظومة التربية والتكوين .

الخلاصة الثانية :أن التعليم الأولي أصبح خيارا لا محيد عنه للرفع من اداء جودة العملية التربوية بالرغم مع ان مسالة الجودة لها مؤشرات أخرى مرتبــــــــــطة بالتقويمات والكفايات والمناهج الدراسية .

الخلاصة الثالثة : أن تنمية الراسمال البشري تتطلب الرفع من الأداء البيداغوجي للمربيين والمربيات وبناء قدراتهم المعرفية من أجل بيئة اجتماعية سلمية تبني لنا مواطنة فاعلة وحقيقية.

الخلاصة الرابعة :أن ماسسة التعليم الاولي وجعله ضمن اهتمامات السياسات العمومية المرتبطة لوزارة التربية الوطنية سوف يكون أثر كبير على الاجيال الصاعدة وسوف يساهم في بناء راسمال بشري حقيقي .

 

 

 

شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...