لم تكن ليلة القنيطرة ككل الليالي، تحت أضواء الشوارع الخافتة، تحركت دوريات الأمن في صمت مدروس، لتنطلق واحدة من أوسع الحملات الأمنية التي شهدتها المدينة في الآونة الأخيرة. لم تكن صدفة، بل عملية مخططة بإحكام، بإشراف مباشر من والي الأمن، وشملت رقعة واسعة من الأحياء، من قلب المدينة إلى أطرافها، مرورًا بحي العرايبي، حي صحراوة، حي العلامة ووسط المدينة، حيث تختلط الأزقة بالحكايات، وتتكثف الوجوه بحثًا عن طمأنينة دائمة.
هذه الحملة لم تكن مجرد دوريات عابرة، بل تنفيذ ميداني دقيق يراهن على السرعة والفعالية. في كل نقطة تفتيش، كان هناك استنفار محسوب، وتنقيط فوري للهويات، وعيون تراقب التفاصيل الصغيرة. كل اسم تم التحقق منه عبر قاعدة البيانات الأمنية، في سعيٍ لتطهير المدينة من أي أثر قد يعكر صفوها أو يهدد أمنها. عدد من المشتبه فيهم وجدوا أنفسهم في قبضة الأمن، بعد أن كشفت أنظمة التنقيط عن مذكرات بحث أو سوابق تلاحقهم.
لكن ما ميز هذه الحملة أكثر من غيرها، لم يكن فقط في حجم التوقيفات، بل في بعدها الإنساني والتواصلي. والي الأمن، بزيه الرسمي، خرج من خلف المكاتب ليجوب الشوارع بنفسه، متحدثًا إلى المواطنين، مستمعًا لانشغالاتهم، ملاحظاتهم، وحتى شكواهم. في تلك اللقاءات العفوية، انكسر حاجز الخوف، وتعززت فكرة أن الأمن ليس سلطة فقط، بل شريك في الحياة اليومية، حاضر في الأفراح كما في الأزمات.
حملة القنيطرة هذه ليست إلا جزءًا من استراتيجية أوسع تتبناها المديرية العامة للأمن الوطني، حيث بات الأمن يُقاس اليوم ليس فقط بعدد الموقوفين، بل بمدى شعور المواطن بالأمان داخل حيه وبين جدران منزله. ومثلما أشار مصدر أمني مسؤول، فإن هذه الجهود ستتواصل دون انقطاع، ما دامت سلامة المواطن وكرامته على رأس الأولويات.
ليلة القنيطرة كانت اختبارًا، ونجحت المدينة في اجتيازه، بفضل رجال ونساء في الميدان، يسهرون بينما ينام الآخرون، ويجعلون من الشوارع أماكن أكثر أمانًا، لا فقط من الجريمة، بل من الخوف نفسه.