في اليابان، حيث تعد الشيخوخة واحدة من أكبر التحديات الديموغرافية، يواصل عدد كبير من كبار السن العمل حتى بعد تجاوزهم الثمانين والتسعين عامًا. ليس بدافع الحاجة المالية فقط، بل لأنهم يعتبرون العمل جزءًا أساسيًا من حياتهم، مما يساعدهم على الحفاظ على صحتهم الجسدية والعقلية، إضافة إلى بقائهم نشطين اجتماعيًا.
كبار السن في سوق العمل الياباني
تشير الإحصاءات الرسمية إلى أن نسبة كبيرة من المسنين اليابانيين لا يزالون في سوق العمل رغم تقدمهم في العمر.
• في عام 2022، كان 33.5% من اليابانيين الذين تتراوح أعمارهم بين 70 و74 عامًا لا يزالون يعملون.
• نصف اليابانيين الذين تتراوح أعمارهم بين 65 و69 عامًا مستمرون في وظائفهم.
هذه الأرقام تعكس ثقافة عمل راسخة، حيث لا يعتبر التقاعد نهاية للحياة المهنية، بل مرحلة يمكن من خلالها الاستمرار في العطاء بطرق مختلفة.
لماذا يواصل المسنون العمل؟
1. الحفاظ على الصحة الجسدية والعقلية
تشير دراسات عديدة إلى أن الأشخاص الذين يظلون نشطين بعد التقاعد يتمتعون بصحة أفضل ويكونون أقل عرضة للإصابة بأمراض مثل الزهايمر والاكتئاب. العمل يمنحهم سببًا للنهوض صباحًا، والتفاعل مع الآخرين، وممارسة النشاط البدني والعقلي بشكل يومي.
2. الاستقلالية والإحساس بالقيمة
في الثقافة اليابانية، يرتبط العمل بالكرامة الشخصية والإحساس بالهدف. لذلك، يجد العديد من كبار السن في وظائفهم اليومية وسيلة للحفاظ على استقلاليتهم وتجنب الشعور بأنهم عبء على المجتمع أو العائلة.
3. الحاجة إلى دخل إضافي
رغم أن العديد من المسنين لديهم معاشات تقاعدية، فإن بعضهم يفضل الاستمرار في العمل لضمان مستوى معيشي جيد، خاصة مع ارتفاع تكاليف المعيشة والرعاية الصحية.
سياسات داعمة لاستمرار العمل
لتشجيع كبار السن على البقاء في سوق العمل، عدّلت الحكومة اليابانية في عام 2021 قانون استقرار توظيف المسنين، وألزمت الشركات بتبني أنظمة تسمح للموظفين بالعمل حتى سن 70 عامًا، سواء عبر تمديد عقودهم، أو توفير فرص استشارية، أو تمكينهم من بدء مشاريعهم الخاصة.
اليابان نموذج عالمي في التعامل مع الشيخوخة
تُثبت التجربة اليابانية أن الشيخوخة لا تعني بالضرورة التوقف عن العمل أو فقدان النشاط. فبفضل السياسات الداعمة، والبنية الاجتماعية المشجعة، والروح الثقافية التي تقدر قيمة العمل، يتمكن كبار السن في اليابان من الحفاظ على حياة نشطة وصحية، وهو نموذج يمكن أن تستفيد منه دول أخرى تواجه تحديات الشيخوخة السكانية.
وفي الوقت الذي تتجه فيه العديد من الدول نحو تقليص سن التقاعد أو إجبار كبار السن على الخروج من سوق العمل، تظهر اليابان نهجًا مختلفًا، حيث يمنح العمل معنى للحياة، ويصبح مفتاحًا لحياة أطول وأكثر صحة وسعادة. فهل يصبح هذا النموذج عالميًا في المستقبل؟
