الدولارات الزائفة ودوامة النصب في إقليم القنيطرة.. حين يصبح الطمع بوابة للفخاخ

في مشهد تتكرر فصوله بشتى الطرق، بات إقليم القنيطرة مسرحًا لعمليات نصب محكمة، قوامها استغلال الطمع البشري واستدراجه بوعود وهمية لا يصدقها عقل راجح، لكنها تنجح دائمًا في إسقاط الضحايا واحدا تلو الآخر، لذلك استنساخ السيناريوهات ذاتها يطرح أكثر من سؤال حول دور الإعلام في التصدي لهذه الظاهرة التي تستنزف أموال المواطنين وتهدد سلامتهم.

 

القصة تبدأ أطوارها دائمًا بنفس الحبكة؛ شخص أو مجموعة أشخاص تظهره عليهم أعراض السذاجة، حاملين بين أيديهم أوراقًا نقدية من فئات الدولار المختلفة، يدّعون أنها كنز لفظته أمواج البحر، غير مدركين لقيمتها الحقيقية، وببراعة تمثيلية شبيهة بأداء خريجي المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي، يقتربون من ضحيتهم، حيث ينصبون كمينا عبر الإنترنت أو بالصدفة في الشارع، فيعرضون عليه فرصة ذهبية للحصول على هذه “الدولارات” بسعر زهيد مقارنة بقيمتها الحقيقية، متذرعين بعدم معرفتهم بكيفية التصرف بها.

 

المثير في هذه الخدعة أن المحتالين يعتمدون على أسلوب نفسي متقن، يدفع الضحية لتصديقهم بعد فحصه لعدد محدود من الأوراق النقدية الحقيقية في أحد المصارف التي تم استلامها مسبقا منهم، وعندما يطمئن لصحة الأوراق، تبدأ المرحلة الثانية، حيث يتم إغراؤه بشراء كمية أكبر مقابل مبلغ مالي مهم، عادة ما يتراوح بين 50 مليون سنتيم أو أكثر.

 

بسرعة البرق يتم تحديد موعد ومكان للتسليم، قبل أن يسترجع الضحية فكره النقدي ويتسلل الغش لنفسه، الموعد يكون بعيدًا عن الأعين، غالبًا في مناطق نائية أو غابات مهجورة، وهنا تتحول الصفقة المزعومة إلى لحظة رعب حقيقية، فبمجرد وصول الضحية إلى المكان، يُفاجأ بأسلحة بيضاء تُشهر في وجهه، ويتم تجريده من المال والهاتف ومفتاح السيارة، ويُترك في العراء، بينما يلوذ الجناة بالفرار، تاركين ورائهم الضحية في حالة صدمة تحاول استرجاع أنفاسها لاستيعاب الموقف.

 

الغريب أن بعض الضحايا يفضلون الصمت بدلاً من التبليغ، إما خوفًا من الفضيحة أو تجنبًا للاعتراف بمشاركتهم في صفقة مشبوهة، هذا الصمت يجعل الجناة أكثر جرأة ويمنحهم فرصة للعودة من جديد بفخاخ أكثر إحكامًا.

 

وبالرغم من بشاعة هذه العمليات فتسليط الضوء عليها يبقى جد محدود، وهو ما يساهم في استمرارها وانتشارها، لذلك على الصحافة أن تتحمل مسؤوليتها في كشف مثل هذه الممارسات وتحذير المواطنين من الوقوع ضحية لوعود زائفة، كما يجب أن يتعاون الضحايا مع السلطات، بدلًا من إخفاء الحقائق، لضمان تقديم الجناة للعدالة.

 

ويبقى الدرس الأهم أن الطمع لا يؤدي إلا إلى المزيد من الخسائر، على كل مواطن أن يكون أكثر حذرًا، وأن يبتعد عن الإغراءات التي تبدو مثالية إلى حد لا يُصدق، فكما يقول المثل: “الطماع يغلبه الكذاب”، وهو درس يدفع المواطن ثمنه مرارًا وتكرارًا.

شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...