يرتبط الحوار الاجتماعي المركزي في المغرب بشكل أساسي بعالم الشغل وفض النزاعات الاجتماعية والاقتصادية، بالإضافة إلى تحقيق قدر من السلم الاجتماعي والاقتصادي داخل الدولة. يعتبر الحوار الاجتماعي المركزي ممارسة تقليدية في المغرب، حيث يشمل التفاوض والتشاور بين الحكومة ومنظمات أرباب العمل والنقابات العمالية، ويتم بصورة دورية ومنتظمة.
وتعتبر وثائق منظمة العمل الدولية مرجعا أساسيا في قضايا الشغل والحوار الاجتماعي المركزي، حيث أكدت على أهمية إقامة سلام شامل ودائم على أساس من العدالة الاجتماعية. وتشمل الوثائق الدولية التوصيات والاتفاقيات التي تعزز دور الحوار الاجتماعي في حل النزاعات وتعزيز السلم الاجتماعي والاقتصادي.
في المغرب، يعتبر الحوار الاجتماعي المركزي جزءا أساسيا من الحياة السياسية والاقتصادية، حيث تم إنشاء عدة مجالس ولجان ثلاثية الأطراف في مرحلة مبكرة، بهدف تعزيز التفاهم والتعاون بين الحكومة والقطاع العام والقطاع الخاص والنقابات العمالية.
وتعتبر المرجعيات المؤطرة للحوار الاجتماعي المركزي في المغرب أساسية لفهم تاريخ وتطور هذه العملية التي تمتد عبر عقود، فالحوار الاجتماعي في المملكة ليس حديث العهد، بل يعكس تقليدا قديما تم ممارسته بأشكال مختلفة.
في الفترة من الخمسينيات إلى الستينيات، تأسست بعض المجالس الثلاثية التي كانت تهتم بالحوار الاجتماعي، مما أثرى التجربة المغربية في هذا المجال. بداية بالمصالح الطبية الخاصة بالشغل في عام 1958، وانتهاءً بالمجلس الاستشاري لمتابعة الحوار الاجتماعي في عام 1994.
ومنذ التسعينيات، تم تعزيز ثقافة الحوار الاجتماعي في المغرب، وشهدت جولات الحوار المركزي بين الحكومة والمنظمات النقابية وأرباب العمل تفاعلا إيجابيا. تأكيدا على أهمية الحوار الاجتماعي، جاءت توجيهات ملكية سامية، تحث على تعزيز هذا الحوار وتحقيق التوافق بين الأطراف المعنية.
وإن تفعيل هذه المرجعيات يأتي في إطار دستور 2011 الذي يؤكد على ضرورة تعزيز الحوار الاجتماعي كأساس للسلم والاستقرار الاجتماعي والاقتصادي. وتعتبر هذه الخطوة تعبيرا عن التزام المغرب بالمعايير الدولية وتعزيز دوره في منظمة العمل الدولية.
ويعكس تأصيل الحوار الاجتماعي المركزي في المغرب رغبة البلاد في بناء مجتمع يسوده السلام والتعاون، وتعزيز تنمية مستدامة تخدم مصالح جميع شرائح المجتمع.
1. التوجيهات الملكية السامية
شكلت مأسسة الحوار الاجتماعي مرجعية ثابتة لدى المؤسسة الملكية، التي خَصَّت هذا الموضوع بعناية واهتمام كبيرين في العديد من المناسبات.
وفي هذا الإطار، يمكن الإشارة إلى الرسالة التي وجهها جلالة الملك محمد السادس إلى المشاركين في المنتدى البرلماني الدولي الثاني للعدالة الاجتماعية بتاريخ 20 فبراير 2017 بالرباط؛ حيث تمت الدعوة إلى مأسسة آليات الحوار الاجتماعي، بطريقة مبسطة في مسطرتها، واضحة في منهجيتها، شاملة لأطرافها، منتظمة في انعقادها، ذات امتدادات ترابية واضحة، مع توسيع موضوعات الحوار الاجتماعي لتشمل قضايا جديدة، كالمساواة الفعلية ومكافحة التمييز بين الجنسين في مجال العمل، بناء منظومة جديدة للحوار الاجتماعي باستحضار متطلبات المساواة واستحضار المقاربة الحقوقية والتزامات المغرب تجاه منظمة العمل الدولية واعتبار مأسسة الحوار الاجتماعي مدخلا أساسيا لتحقيق العدالة والتنمية المستدامة.
2: الالتزامات الدولية للمغرب تجاه منظمة العمل الدولية
أخذا بعين الاعتبار التزامات المغرب الدولية وفي مقدمتها مصادقته على سبع اتفاقيات أساسية من أصل ثمانية أصدرتها المنظمة الدولية للعمل؛ فالتزامه هذا يفرض عليه القيام بإجراء حوار اجتماعي مركزي بشكل منتظم ودوري وهو الأمر الذي يجد سنده في الاتفاقية رقم (98)، بشأن تطبيق مبادئ حق التنظيم النقابي، والمفاوضة الجماعية لسنة 1949؛ صادق عليها المغرب في 16 دجنبر 1957؛ والاتفاقية رقم 154 المتعلقة بتشجيع المفاوضة الجماعية لسنة 1891؛ صادق عليها المغرب في 2 غشت 2011، ثم الاتفاقية رقم 144 بشأن المشاورات الثلاثية لسنة 1976، صادق عليه المغرب بتاريخ11 سبتمبر 2013.
3.مقتضيات دستور
يشكل تصدير دستور 2011 خاصة في شقه المتعلق بالعدالة الاجتماعية ومقومات العيش الكريم وبجعل الاتفاقيات الدولية كما صادق عليها المغرب تسمو فور نشرها على التشريعات الوطنية؛ عطفا على العديد من بنوده، التزاما دستوريا ملزما للحكومة واجب التفعيل والتطبيق.
وفي هذا السياق، لا بد من الإشارة إلى مقتضيات الفصل 8 من هذا الدستور الذي نص على مساهمة المنظمات النقابية للأُجراء، والغرف المهنية، والمنظمات المهنية للمشغلين، في الدفاع عن الحقوق والمصالح الاجتماعية والاقتصادية للفئات التي تمثلها، وأكد على دور السلطات العمومية المرتبط بتشجيع المفاوضة الجماعية، وعلى إبرام اتفاقيات الشغل الجماعية…؛ ثم الفصل 13 منه الذي يؤكد بدوره على مسؤولية السلطات العمومية المتمثلة في إحداث هيئات للتشاور، قصد إشراك مختلف الفاعلين الاجتماعيين في إعداد السياسات العمومية وتفعيلها وتنفيذها وتقييمها.
4. مدونة الشغل لسنة 2003
تضمنت مدونة الشغل العديد من المقتضيات المرتبطة أو ذات الصلة بالحوار الاجتماعي المركزي، وإن كان يصعب الإحاطة بها كلها، فإنه يمكن الإشارة إلى أكثرها اتصالا بالموضوع؛ من قبيل: اللجنة الوطنية للبحث والمصالحة المنصوص عليها في المادة 564 من المدونة والتي تتكون بالتساوي من ممثلين عن الإدارة والمنظمات المهنية للمشغلين والمنظمات النقابية للأجراء الأكثر تمثيلا، ثم المجلس الأعلى لإنعاش التشغيل المنصوص عليه في المادة 522 الذي يعهد إليه بالمساهمة في تطوير الحوار والتشاور بين أطراف الإنتاج؛ والذي يتكون من ممثلين عن الإدارة وممثلين عن المنظمات المهنية للمشغلين والنقابات المهنية للأجراء الأكثر تمثيلا…، ثم مجلس المفاوضة الجماعية بموجب المادة 101 منها الذي يعنى بالمفاوضة الجماعية؛ ثم اللجنة الثلاثية التركيب المكلفة بتتبع التطبيق السليم للتشغيل المادة 496.
وبالرجوع لحصيلة الحوار الاجتماعي المركزي منذ سنة 1996 إلى يومنا هذا، نجد أن التجربة المغربية أفرزت ما مجموعه 7 حوارات اجتماعية مركزية على الشكل الآتي:
اتفاق فاتح غشت 1996؛
اتفاق 23 أبريل 2000؛
اتفاق 30 أبريل 2003؛
اتفاقات 26 أبريل 2011؛
اتفاق 25 أبريل 2019؛
اتفاق 30 أبريل 2022؛
اتفاق 30 أبريل 2024.
بالنسبة لموضوع الاتفاقات التي شهدها المغرب منذ سنة 1996 حتى سنة 2024، فقد شكل مطلب الزيادة العامة في الأجور سواء في القطاعين العام والخاص ومطلب إخراج التشريعات الاجتماعية لحيز الوجود خاصة القانون التنظيمي للإضراب وتبني مدونة للشغل واحترام الحريات النقابية طبقا لاتفاقيات منظمة العمل الدولية … القاسم المشترك بينها، غير أن تفاعل الحكومة مع هذه المطالب اختلف من حكومة إلى أخرى، وهذا الاختلاف في التعاطي مع الملفات المطلبية للمركزيات النقابية الأكثر تمثيلية أملته السياقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي طرح فيها.