تحالف أردوغان مع حزب كردي إسلامي يجعل .التركيات يخشين أن يلقين “مصير الإيرانيات”

العالم 24..إنه الغسق فوق مضيق البوسفور. وفيما تغرب الشمس على إسطنبول، تشاركنا زينب بيلجين مخاوفها، قبيل أيام فقط من الدور الثاني للانتخابات الرئاسية التركية.

تقول محدثتنا: “يهيمن الدين على السياسة في هذا البلد، ويمكن لهذه الانتخابات أن تغير حياة وحقوق النساء”. حزب “هدى بار أعلن صراحة أنه لا يجب أن تصوت النساء، وأن على كافة النساء أن يتزوجن قبل سن الثلاثين. هدى بار قوي جدا وأنا قلقة فعلا”.

يجسّد حزب هدى بار التركي الإسلامي الراديكالي مخاوفها. حتى إن زينب بلجين طلبت تغيير اسمها خوفا من التحدث علنا.

تنتظر زينب بلجين (تم تغيير الإسم) القارب في ميناء كاديكوي للعبارات في إسطنبول. © سامية ميثيني، فرانس24.

لاحقا وبعد بضعة أيام، اقتربت منا امرأة في معقل الأكراد في ديار بكر (جنوب شرق تركيا)، بعد أن أدلت بصوتها في الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية. وقالت المرأة التي تعارض رجب طيب أردوغان وكمال كليتشدار أوغلو: “إنه آخر تصويت للمرأة”، مشيرة باللغة الإنكليزية وهي تتحدث بصوت خافت لكن بحزم. تضيف نفس المتحدثة: “قد نفقد حقنا في التصويت. سيغيرون كل شيء. سنصبح مثل إيران بسبب هدى بار”.

في تلك الليلة، وبعد فترة وجيزة من انتصار أردوغان وإعادة انتخابه رئيسا، واظبت تلك المرأة من مركز الاقتراع على التواصل وكتابة الرسائل النصية للتأكد من ضمان عدم ذكر اسمها أو الكشف عن هويتها. كانت هواجسها كبيرة من عواقب هذه الانتخابات على النساء التركيات، مثلما هي متأكدة من أن قمع مؤيدي المعارضة وخاصة الأكراد سيكون قاسيا.

في كافة ربوع البلاد، تبدو العديد من النساء اللواتي صوتن لصالح المعارضة على يقين من أن لا شيء سيكون كما كان بعد أن فاز أردوغان بعهدة رئاسية جديدة.

لعل أهم سبب، هو وجود هذا الحزب الإسلامي الكردي إلى جانب “الريس”، رغم أنه ثانوي ولم يكن معروفا كثيرا على الساحة المحلية قبل حملة 2023: هدى بار. وتسمية الحزب هي اختصار لعبارة “Hür Dava Partisi”، والتي تعني: “حزب الدعوة الحرة”، والتي يمكن ترجمتها أيضا بعبارة: “حزب الله”.

مقر حزب هدى بار في ديار بكر، جنوب شرق تركيا. © ليلا جاسينتو، فرانس24.

تمخض هذا الحزب من رحم الحرب التي اندلعت في التسعينيات بين فروع سرية لجهاز أمن الدولة في تركيا وجماعة كردية مسلحة. لطالما تجاهل الأتراك في المدن الكبيرة حزب هدى بار، لكن صعوده القوي يكشف عن مخاطر تجاهل الضواحي، في دولة شديدة المركزية، غضت الطرف منذ زمن بعيد عن المظالم المرتكبة بحق الأقليات.

لكن الأمور تغيرت في 2023، حين أعلن حزب العدالة والتنمية الحاكم أنه دخل في تحالف مع هدى بار، ما يعني أن الحزب الإسلامي الكردي سيدخل الاقتراع في نفس قائمة الحزب الرئاسي.

ردا على تلك الخطوة، جاءت إدانات المعارضة سريعة وقوية، ارتفعت حدتها عندما سمحت الانتخابات التشريعية في 14 مايو/أيار، والتي أجريت بالتزامن مع الدور الأول من الانتخابات الرئاسية، لأربعة أعضاء من هدى بار بدخول الجمعية الوطنية (البرلمان) التي تضم 600 نائب. يتساءل كثيرون الآن عن أية جوانب من أجندتهم الإسلامية ستتبناها الحكومة، فيما سيباشر رجب طيب أردوغان عقده الثالث في السلطة.

“أكراد يقتلون الأكراد في حرب يبن الأشقاء تديرها الدولة”

تعود حالة الذعر التي يثيرها وجود هدى بار تحت قبة البرلمان التركي إلى ماضي الحزب الغامض، والذي لم يتم الاعتراف به أبدا، أو التعامل معه بالشكل المناسب من قبل الدولة التركية. وترجع جذور هدى بار إلى حزب الله، الجماعة الكردية السنية التي لم تعد موجودة اليوم ولا علاقة لها بالجماعة الموجودة في لبنان والتي تحمل نفس المسمى.

أشار خبراء إلى أن الأجهزة الأمنية التركية قد استخدمت خلال سنوات التسعينيات حزب الله لتصفية أعضاء ومتعاطفين مع حزب العمال الكردستاني. لاحقا، تحول الحزب إلى جماعة تكفيرية جهادية تقتل أي شخص، خصوصا نشطاء حقوق المرأة، الذين يختلفون مع تفسير الجماعة المتطرف للإسلام.

في هذا الشأن، أوضح معشوق كورت الخبير المتخصص في حزب الله التركي من معهد رويال هولواي (جامعة لندن)، بأنه قد “تم اختراق حزب الله (التركي) من الأجهزة الأمنية وجرى تشجيعه على تنفيذ هجمات ضد الناشطين الأكراد والمدنيين. وقعت العديد من عمليات القتل، الاضطهاد، والتعذيب، خصوصا ضد النساء والزعماء الدينيين والمناضلين. ولم يتم حله”.

قامت الدولة التركية باستعمال حزب الله ضد الجماعات الكردية اليسارية في حرب بين الأشقاء. لكن حينما هاجمت الجماعة الشرطة، وخاصة إثر مقتل قائد شرطة ديار بكر، تحركت الدولة أخيرا ونفذت في 2000 حملة أمنية تم خلالها اعتقال الآلاف من أعضاء حزب الله.

وفق معشوق كورت، أعقب هذا القمع “فترة صمت” استمرت حتى 2004 حينما عادت الحركة للظهور في الفضاء العام في هيئة منظمات للمجتمع المدني، بعد فترة وجيزة من وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة. سرعان ما أفسحت إجراءات الانفتاح التي اتخذها حزب العدالة والتنمية المجال أمام الجماعات الإسلامية التي كانت تعمل في السر. في ظل هذا السياق العام، برز هدى بار ككيان قانوني وأنشأ مكاتب له في ديار بكر.

يوضّح معشوق كورت: “لقد عاودوا الظهور في الفضاء العام من خلال كيانات قانونية، مع استمرارية في الأيديولوجيا وعبر نفس القاعدة الاجتماعية المساندة لهم، إلا أنني لا أرى رابطا هيكليا. ما تغير، هو تجسيد هذه القيم، وأساليبهم. في السابق، كانت في غاية السرية، والكتمان، وكانت تعتمد على نواة صلبة مستعدة للانخراط في العنف. اليوم، هي عبارة عن كيان قانوني”.

كحزب سياسي، ينفي هدى بار أي صلة له مع حزب الله، إلا أنه يعترف بأن بعض أعضائه كانوا في السابق ينتمون إلى الجماعة المسلحة التركية. في هذا الإطار، قال زعيم الحزب زكريا يابيتشي أوغلو بشكل علني إنه لا يعتقد أن حزب الله جماعة إرهابية. تصريحات نددت بها المعارضة ووسائل الإعلام قبل الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية، وقد أثارت احتجاجات، بما في ذلك على مدرجات ملاعب كرة القدم حيث هتف الألتراس (مشجعون متطرفون): “نحن لا نريد حزب الله في البرلمان”.

تجريم الزنا وإلغاء قوانين العنف الأسري

لكن صيحات مجموعات الألتراس جاءت بعد فوات الأوان. فبعد وصول أربعة من أعضاء هدى بار إلى البرلمان، باشر الحزب أول هيئة تشريعية له بالتمرد على عادات وتقاليد الجمهورية التركية. وبعض مضي حوالي أسبوعين على الانتخابات العامة، أفادت وسيلة إعلام تركية بأن النواب الجدد لم يؤدوا بعد اليمين، حيث إن هدى بار رفض قسم باقي البرلمانيين الأتراك.

وحسب حزب الشعب الجمهوري (علماني، معارضة)، فإن الحزب الإسلامي عارض كذلك توظيف النساء في البرلمان. حيث إن مسألة حقوق المرأة هي بالفعل في أنظار هدى بار وكذلك حزب إسلامي راديكالي آخر متحالف بدوره مع حزب العدالة والتنمية، وهو حزب الرخاء الجديد (YRP). يدعو الحزبان إلى إعادة تقييم القوانين من أجل “حماية سلامة الأسرة”، ما قد ينجم عنه تراجع تركيا عن القوانين التي تحمي المرأة من العنف الأسري.

العالم 24

شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...